لكل زمان آية.. وآية هذا الزمان.. التظاهر الشكلي.. واسع النطاق.. بالصلاح والورع.. والعلم المتدفق.. والفكر المتعمق وصحة القياس.. تحت نقاب التكلف تارة.. وتحت ستار التمويه بالدقون.. تارة أخري.. وكلما ارتكب الرجل حماقة طلب من الحضور أن يمسحوها في دقنه.. من باب الاعتذار.. وعندما يستأذن في الدخول علي الحريم يقول »دستور«! ظاهرة عجيبة فعلاً.. تفاقمت في الشهور الأخيرة.. بشكل لافت للانتباه.. وباتت تطالعنا في كل موقع.. الأعداد المتزايدة من أرباب الدقون.. بكثافة لم نعرفها من قبل.. واتخاذ الدقن وسيلة للكسب والارتزاق.. وأكل العيش من الحرام.. وذريعة في القصور فيما يؤديه صاحب اللحية من أعمال.. لا تتفق مع ما يتحين أن تكون عليه من الدقة والإتقان. هذه الظاهرة الجديدة في حاجة لدراسة.. من رجال العلوم الحديثة.. وعلماء الدراسات النفسية.. لأنها واكبت التدهور المروع في لغة الحوار واستخدام الألفاظ البذيئة.. وشيوع جرائم النصب والاحتيال.. وجمع الأموال تحت الشعارات الدينية.. وبأسماء لا ترقي إليها الشكوك.. علاوة علي اختفاء الضمائر في الكثير من مواقع الخدمات الإنسانية التي تقتضي تلبية أرباب الحاجات من أجل ثواب الآخرة.. كالمستشفيات وطوابير أنابيب البوتاجاز.. وغرف الإنعاش.. ففي الوقت الذي ارتفعت فيه الأصوات تتحدث عن دولة الخلافة.. والعودة لأزمنة السلف الصالح في العصور القديمة.. واعتبار كرة القدم لعبة غير شرعية.. واتهام نجيب ساويرس وعادل إمام ونجيب محفوظ بازدراء الإسلام وأنهم يعيثون في الأرض فساداً. وفي الوقت الذي يرفع فيه أحد نواب البرلمان الأذان للصلاة داخل قاعة مجلس الشعب أثناء انعقاد الجلسة.. ويعلن فيه أحد »روميوهات« التيار السلفي.. أن ظهور المذيعة في التليفزيون بغير حجاب يثير شهواته.. وإنه حرام شرعاً! أقول إنه في هذا الوقت الذي تركزت فيه اهتمامات الأمة.. حول قضايا الحلال والحرام.. ومطالبة رجال الأعمال بإخراج الزكاة لنحو 003 ألف داعية إسلامي وموظف وعامل بوزارة الأوقاف.. نجد أن ثمة ظاهرة تتفاقم كل يوم.. تقتضي دق أجراس الانتباه.. وهي استثمار المظاهر الدينية في ارتكاب ألوان حديثة من الموبقات لم تكن تعرفها عاداتنا وتقاليدنا التي تعود في جوهرها للثقافة النهرية ومجتمعات الوفرة.. وأخلاق القرية.. والتراث الحضاري العريق الذي يعود لآلاف السنين. الموبقات التي يقترفها البعض هذه الأيام.. تتخفي وراء مظاهر التدين.. ومن أجل التلاعب بالدين.. استثماراً لأجواء الظروف الخاصة التي تواكب الحالة الثورية التي نمر بها.. هذه الأيام. لقد اختلط الحابل بالنابل.. والعالي بالسافل.. وباتت الفتاوي تهب علينا من كل حدب وصوب.. لتهز.. وتثير الشكوك.. حول الثوابت التي تربينا عليها.. وتربي عليها أجدادنا منذ مئات السنين.. الأمر الذي فتح الأبواب أمام عصابات النصب والاحتيال.. لاستغلال المظاهر الدينية في الوصول لأهداف.. لا ترضي الله. والمثير في الموضوع أن الإسلام بات أشبه بالسلعة الرائجة.. التي يحاول العديد من الأطراف الإتجار بها للوصول لأهداف.. دنيوية.. لا علاقة لها بصحيح الإسلام الذي نعرفه منذ أجيال وأجيال.. تعلمنا خلالها ما هو الحلال وما هو الحرام.. عن ظهر قلب. وتلك.. هي المشكلة، لأن عملية الإتجار بالدين لم تبدأ من ملايين البسطاء الذين يعيشون في العشوائيات وإنما بدأت من جماعات الأثرياء الذين يستطيع الواحد منهم جمع ملايين الدولارات بين غمضة عين والتفاتتها.. وهي مجموعة من سكان القصور الذين يسعون لتولي أمور السياسة من منطلقات دينية.. وبأموال تنظيم عالمي يحرك هذه الجماعات كقطع عسكرية علي رقعة الشطرنج. فاستثمار الدين.. والتلاعب بالمشاعر الدينية.. بدأ من فوق ومن جماعات تتمتع بالقدرة الفائقة علي المستند وتحقيق المكاسب.. ثم انتقل لجماعات سلفية.. تنتشر بين الطبقات الدنيا في المجتمع.. لتحقيق نفس الأهداف.. وكل »برغوث يحصل علي قدر حجمه من الدماء«. نحن إذن أمام ظاهرة.. تتفق في كل مراحلها علي استثمار الإسلام في تحقيق عائد.. بلا عمل.. وبلا جهد.. وبلا حاجة إلي إتقان أو مواظبة.. أو عرق.. بما يعني أننا أمام ثقافة غريبة.. وافدة لا تقدس العمل ولا تحترم الإتقان.. وتعتمد علي ثقافة محددة هي خداع الناس بالمظاهر الدينية.. والتغلغل بين الضحايا عن طريق النصح والإرشاد.. وإصدار الآراء الفقهية.. بالتدخل في شئون الآخرين.. والتجسس علي عباد الله بحثاً عن ثغرات ينفذون منها لابتزاز الضحايا.. باسم الدفاع عن الإسلام. ولذلك نقول إن التلاعب بالأديان.. لم يبدأ بمن يطلقون لحاهم.. لاكتساب الهيبة بين معارفهم.. وإنما بدأ بجماعات الإسلام السياسي.. ومن الفصائل التي خرجت من مكانها.. إثر اندلاع الحالة الثورية المجيدة في 52 يناير 1102 كي تأخذ نصيبها من الغنيمة.. وتأخذ حظها من السلطة.. رافعة الشعارات الدينية.. ومتحدثة بلسان السماء.. وقد حققت اللعبة أهدافها علي المستوي السياسي وعلي المستويات العليا من السلطة.. وأتاحت للشيخ القرضاوي إبداء الرأي في أمور السياسة المصرية.. ويحدد من هو المصري.. ومن هو غير المصري.. ممن يعيشون علي أرض مصر.. الأمر الذي دفع الأعداد الغفيرة من المواطنين لتربية دقونهم.. والدخول في معترك الحياة بأسلحة اللحية والمظاهر الدينية.. وممارسة نفس اللعبة! الغريب في الموضوع.. اننا لم تأخذ موضوع مطالبة عدد من جنود وضباط الشرطة السماح لهم بإطلاق اللحي.. باعتباره جزءاً من ظاهرة عامة.. هي التظاهر الشكلي واسع النطاق بالملامح الدينية وإنما تناولناه باعتباره مطلباً يتعلق بوزارة الداخلية.. وهذا خطأ.. لسبب بسيط هو أن القضية لا تتعلق بما يتعين أن يكون عليه حال ضابط الشرطة.. أو حتي ضباط القوات المسلحة.. أو مضيفات شركة مصر للطيران أو مذيعات التليفزيون اللاتي يظهرن علي الشاشة بحجاب شكلي متعدد الألوان ومتنافر الأنماط.. ووجوه تكسوها كميات كبيرة من أدوات التجميل.. وإنما القضية أكبر من ذلك.. وتتجاوز مطالب فئة محددة بالالتزام بما تراه متمشياً مع الشرع والسنة وحياة الصحراء. القضية أكبر مما هو مثار حالياً.. وما نراه منها حول مطالب المضيفات الجويات أو ضباط وجنود الشرطة الخ.. وبالتالي فهي في حاجة لعلاج مجتمعي شامل يقوم علي أسس علمية.. قبل أن تنحدر الأحوال.. ويختفي الإسلام الوسطي الذي نعرفه.. وراء النقاب تارة.. ووراء الدقن تارة أخري.. ويصبح الاتجار بالإسلام.. عن طريق الحجاب والنقاب والجلباب القصير الذي يضيق عند المؤخرة.. والدقون.. من المظاهر التي تألفها العيون في مصر وتنتقل بالعدوي من مواطن لآخر.. ويفقد الدين الإسلامي.. لا قدر الله.. بريقه.. وقدرته علي مواكبة الحياة في كل العصور.. وتصبح الجملة التي تجري علي كل لسان هي: »ساعة لقلبك.. وساعة لدقنك!«