ربنا ياخد الانتخابات! كل ملامح الجمال اختفت.. ولم نعد نعيش في مصر التي نعرفها.. وبات السؤال الذي نطقت به فاتن حمامة في فيلم «دعاء الكروان».. وين هنادي.. يا خال؟ .. يجري علي كل لسان! انتهت الانتخابات.. وحصلت البركة.. وهدأت الضجة.. وعادت ريمة لعادتها القديمة.. وانتهت هوجة أكياس اللحوم التي تحمل صور السادة المرشحين.. وعادت طوابير الطابونة.. وعاد فتحي سرور يجلس فوق المنصة يغني «كل اللي أحبة حواليا.. مين زيي في الدنيا اتهني؟». وعاد صفوت الشريف لمواقعه ولسان حاله يردد «عشان ما نعلي ونعلي ونعلي.. لازم نطاطي.. نطاطي.. نطاطي».. وعاد أحمد عز يتصدر قاعة المجلس الموقر كالطفل الذي أعادوه إلي أبويه. اختصار الكلام.. عدنا إلي ما كنا عليه قبل الانتخابات النزيهة.. لسبب بسيط هو أن الذين أعطوا أصواتهم للحزب السرمدي.. هم الذين أدمنوا طوابير الطابونة.. وهم عشاق أكياس اللحوم التي تحمل صور المرشحين.. وعلي رأي الدكتور علي الدين هلال.. أمين الإعلام بالحزب السرمدي «إن الانتخابات بتفتح كرش المجتمع». والدكتور علي الدين هلال.. أستاذ علوم سياسية.. وبالتالي فهو لم يشرح للبسطاء من أمثالنا.. ما هو المقصود بكرش المجتمع.. وهل للمجتمع كرش تفتحه الانتخابات؟ نحن نفهم أن الحكومة هي صاحبة أكبر كرش في البلد.. وهو كرش استطاع ابتلاع عمر أفندي وشركات ومصانع القطاع العام.. ومعه الأراضي والصحاري.. والجزر.. أما المجتمع.. فلا نظن أن له كرشا.. علي الإطلاق. والمجتمع الذي يعلن الدكتور هلال في الصحف أن له كرشا.. لا يشعر بأي تغيير طوال ربع القرن الأخير وفي تفسير ذلك يقول الدكتور هلال «إن التغييرات العميقة مثل الحمل تظل 4 أشهر.. مش شايف حاجة.. ثم يظهر ويكون بمثابة تغيير يفاجأ به الناس» (!!) وهو كلام علمي فعلا.. بيد أنه حمل عجيب استمر أكثر من 30 سنة.. ولم يظهر الحمل علي أي من معارفنا.. ولا من الأصدقاء الذين نري صورهم في عربات الترحيلات الزرقاء.. ولا سيارات النقل العام. ثم.. من الذي قال لأمين الإعلام بالحزب السرمدي إن الحمل يظل 4 أشهر.. مش شايف حاجة.. ثم يظهر ويكون بمثابة تغيير يفاجأ به الناس؟.. علما بأن الزوجة تهمس لزوجها بأنها حامل.. بعد وقوع الحمل بساعات.. من باب المكاشفة والشفافية والمصارحة.. أو ما يقال لها باللغة الروسية «جلا سنوست».. ولا تكتم عنه هذه الأنباء السعيدة.. إلي أن تدخل بطنها من الباب اليوم.. ويدخل جسدها غدا. بيد أن تصريحات الأمين العام للحزب السرمدي.. الذي نكن له كل احترام.. لا تخلو من عمق.. والدليل علي ذلك أن الغالبية العظمي من أرباب المعاشات لم تصل بعد إلي سن الفطام. أرباب المعاشات يعيشون علي البالوظة بعد أن دخلت معاشاتهم في كرش الحكومة. وبمناسبة البالوظة.. فإن أمين الإعلام بالحزب السرمدي هو صاحب التصريح الذي قال فيه «إن مصر عاملة زي البالوظة في حالة رجرجة»! أدلي الدكتور علي الدين هلال بهذا الكلام منذ سنوات طويلة واختلفت أيامها مع الزميل الراحل مجدي مهنا الذي انتقد وصف مصر بالبالوظة.. التي قال إنه لا يحبها! والواقع أن كلام علي الدين هلال «كما كتبت أيامها» في محله.. لأنه يتحدث عن النظام السياسي.. الذي نراه صورة بالكربون من «البالوظة» لعدة أسباب: أولها.. أن البالوظة.. بلا لون.. فهي تارة حمراء.. وتارة خضراء وتارة ثالثة صفراء.. وهي بلا طعم ولا رائحة! وثانيها.. أن البالوظة.. تتشكل بالإناء الذي توضع به.. فهي تارة مستطيلة وتارة مثلثة وتارة ثالثة تراها مقعرة. وثالثها.. أن البالوظة.. بلا فائدة صحية.. ويمكن الاستغناء عنها.. ويمكن للمجتمع أن يعيش من دونها.. بل يعتقد البعض أن قلتها أحسن. ورابعها.. أن البالوظة ليست من الأغذية الشعبية التي يتناولها البسطاء من أمثالنا.. ولكنها من أفدنة رجال الأعمال التي يحصلون علي الاراضي الشاسعة بأسعار يقل سعر الفدان فيها عن ثمن باكو البالوظة.. ويمتلكون الطائرات التي تقوم بالطلعات الجوية من المطارات الخاصة إلي الخارج. وبالتالي فإن وصف الأوضاع الحالية بأنها أشبه بالبالوظة في حالة «رجرجة» هو وصف في محله.. تماما كوصف التغيير السياسي والاجتماعي بعد الانتخابات بأنه أشبه بالحمل الذي يسفر عن انتفاخ البطن ولا يسفر عن ولادة.. وبالتالي يظل الوضع في «حالة رجرجة». حمل بلا ولادة. حمل كاذب. أنت تري الحكومة في حالة حمل منذ أكثر من ربع قرن.. والوعود والعهود تتولي.. والأوضاع.. كما هي.. ونحن في حالة رجرجة. نحن نجلس داخل قطار.. بلا قضبان.. وبلا مقطورة.. والحكومة تطالبنا بأن نهتز للأمام وإلي الخلف كي نبدو أمام العالم وكأن القطار يجري بنا قبلي وبحري.. ينزل وادي ويطلع كوبري.. في طرقه لمزلقان العياط.. حيث تنتظره جاموسة صابر.. وهي الحالة التي وصفها الدكتور علي الدين هلال بأنها حالة «رجرجة».. وأن «مصر عاملة زي البالوظة». وفي أثناء الرجرجة.. خرجت علينا صحيفة «الأهرام» في 13 سبتمبر 2005 بمانشيت يقول: غزة تبدأ عصر الاستقلال. إسرائيل تسحب آخر جنودها من القطاع والقوات الفلسطينية تفرض سيطرتها. وفي 30 أكتوبر 2007 تخرج بمانشيت يقول: مصر تدخل عصر الطاقة النووية. وفي 21 أغسطس 2010.. تقول في مقالها الافتتاحي.. إن رئيس مجلس إدارتها أصيب بصدمة كبيرة عندما توالت الأنباء عن انقطاعات متوالية في الكهرباء وأنه كان طبيعيا بعدها أن يحدث خلل كبير وانقطاع في المياه.. لأنها محطات تعمل هي الأخري بالكهرباء، وأن السبب هو وجود 20 مليون جهاز تكييف في منازلنا. وفي أثناء الرجرجة تخرج علينا الصحيفة الرصينة نفسها بمانشيت. مصر تدخل نادي الدول الست العظمي المصدرة للغاز. وتتسابق صحف الحكومة في تعظيم عمليات الرجرجة.. في الوقت الذي لا يتقدم فيه القطار قيد أنملة. لايزال الحديث عن التعليم والصحة والمواصلات العامة.. وتوفير الأغذية من خبز ولحوم وطماطم.. والثانوية العامة والمرور وتطوير السكك الحديدية.. وتوشكي.. وشرق التفريعة.. وتعمير سيناء.. إلخ.. لا يتجاوز حركة البالوظة.. وفي حالة رجرجة. كل ملامح الجمال.. اختفت.. ولم نعد نعيش في مصر التي نعرفها.. وباتت الجملة التي نطقت بها نجمة الشاشة المصرية فاتن حمامة في فيلم دعاء الكروان.. تجري علي كل لسان: وين هنادي يا خال؟ صحيح.. وين هنادي؟ وفي ظل هذه الأوضاع ظهرت جماعات النصب والاحتيال التي ترفع شعار «الإسلام هو الحل».. والتي تدعي أن إسلامها يفوق إسلامنا.. وأنها تحفظ من آيات القرآن الكريم أكثر مما نحفظ. البالوظة.. هي التي أوجدت جماعات النصب والاحتيال.. التي تستثمر أوجاع الناس في الوصول لمقاعد السلطة. جماعات النصب والاحتيال.. هي التي استفادت من تدني التعليم.. وتدهور الدور التربوي الذي كانت تضطلع به المدارس. جماعات النصب والاحتيال.. هي المستفيد الأول.. من انتشار الفساد في الأدوار العليا من مراكز اتخاذ القرارات العشوائية. جماعات النصب والاحتيال هي المستفيد الأول من ظهور حالات الفقر.. وغياب المشروع الوطني للاكتفاء الذاتي من الغذاء. جماعات النصب والاحتيال هي المستفيد الأول من انتشار البطالة.. والإحباط بين نسبة عالية من شبابنا الذي يسعي للهجرة غير الشرعية إلي بلدان العالم. ولذلك كان من الطبيعي أن تخرج هذه الجماعات من مكامنها.. لإفساد أي محاولة للإصلاح.. والخروج من المأزق الذي وضعتنا فيه فلسفة «البالوظة» والرجرجة.. والحمل الدائم. جماعات النصب والاحتيال.. لم تخرج من مكامنها تحت الأرض للدفاع عن الإسلام.. وإنما خرجت تحمل الأسلحة البيضاء والقنابل.. لترويع المجتمع.. وعرقلة أي محاولة للإصلاح والتقدم واللحاق بالأمم الراقية التي يتم فيها تبادل السلطة بين أحزاب.. لا ترفع الشعارات الدينية. والطريف في الموضوع.. أن دعوة هذه الجماعات لأنصارها بالصيام في يوم الانتخابات.. ورفع الشعارات وتنظيم المسيرات.. لم تكن تعبر عن خطة سياسية للإصلاح.. وإنما كانت تعبر عن الفكر السائد بين قادتها.. والذي يتلخص في إلغاء العقل.. والإسراف في استخدام القوة البدنية.. وتأجيج العواطف، من أجل الوصول للمقاعد البرلمانية. والمراقب للمسيرات التي نظمتها جماعات النصب والاحتيال في يوم الانتخابات.. ملوحة بالشعارات الدينية.. يتصور أنها تعبر عن فكر ديني واحد.. أو أنها جماعة متجانسة ومتناسقة في توجهاتها الفكرية.. بينما الواقع.. وفقا للتجارب التاريخية.. يؤكد أنها تضم عشرات الأجنحة.. وعشرات التيارات.. وكل منها يسعي للقضاء علي الجناح الآخر.. والإطاحة به في أول فرصة سانحة. فهناك ما يسمي بتيار الاعتدال وتيار الوسطية.. وتيار التشدد وتيار الأكثر تشددا.. إلخ. نحن إذن أمام جماعات.. يتولي السلطة فيها.. في نهاية المطاف الأكثر تشددا.. والأبعد حماقة، والأكثر قدرة علي تدبير المؤامرات والاغتيالات. ويسألونك عن الفرق بين الانتخابات التي جرت عندنا يوم الأحد.. والانتخابات التي تجري في الأمم الراقية والتي يتم من خلالها تبادل السلطة.. بلا قتلي ولا جرحي ولا تهديدات بالاستشهاد فوق صناديق الاقتراع. قل الفرق يكمن في أن الدولة الراقية يحكمها القانون، والقانون لا يفرق بين مواطن ومواطن. القانون يطبق علي الجميع.. لأن القانون هناك ليس فيه «زينب».. وليس من سلطة أكبر مسئول في الدولة.. إصدار الأوامر.. بالمنح والعطاء بلا حساب ولا توجد عندهم بالوظة. وفي دولة القانون لا يستطيع النائب في البرلمان أن يحقق صفقات العمر.. بالإتجار في أراضي الدولة أو تهريب الفياجرا في حاويات السيراميك.. أو الإثراء من وراء استيراد اللحوم والبقول.. والبناء علي الأراضي الزراعية.. كي يعتمد البلد علي استيراد طعام شعبه من الخارج.. وفق معادلات دولية تنظمها العصابات السياسية. ولذلك فعندما يرشح الحزب في الأمم الراقية.. أحد رجاله لخوض الانتخابات.. فإنه يختار الأكثر قدرة علي أداء الخدمة العامة.. وليس الأكثر استعدادا لدفع الرشاوي والتبرعات. كل تصرف في الأمم الراقية يحكمه القانون.. واللوائح.. والنظم والتقاليد والآداب.. وبالتالي فإن سلطة الأحزاب ورجال الأحزاب ونواب الأحزاب في تأدية الخدمات التي يؤديها النواب عندنا.. تكاد تكون منعدمة تماما. كل مواطن يحصل علي حقه بالقانون.. وبالتالي معايير اختيار المجالس المنتخبة في الأمم الراقية تختلف عن مقاييس الاختيار عندنا. وإذا تأملنا ما جري من تجاوزات يوم الأحد الماضي.. والعنف الذي ساد بعض الدوائر.. نكتشف من مجرد النظرة الأولي أننا أمام جماعات لا تسعي للخدمة العامة.. وإنما تسعي لتحقيق المكاسب الشخصية.. والاحتماء بالحصانة للهروب من رجال مكافحة التهليب. ناهيكم عن جماعات النصب والاحتيال التي تسعي لنفس الأهداف بشعارات الإسلام هو الحل. الحل من السقوط بين أيدي العدالة. ولذلك لا يقدم المواطن علي الاشتراك في الانتخابات عندنا.. ويجلس في بيته.. وهو يردد بينه وبين نفسه:ربنا ياخد الانتخابات