لا أدري إن كان قد اكتمل الجنون، وذهب الأدباء العراقيين بالفعل إلي شارع (المتنبي) في بغداد (أول أمس)حاملين كتب وأشعار الشاعر العراقي الكبير «سعدي يوسف «وتحت تمثال المتنبي قاموا بإشعال الحريق، بحسب الدعوة المجنونة، التي أطلقها أحد الشعراء هناك، ردا علي ما كتبه «سعدي يوسف» في قصيدته (مصر العروبة..عراق العجم) والتي تساءل فيها عن الوضع العراقي الطائفي المنقسم،وعن الهوية العربية الضائعة والممزقة في العراق اليوم : (....مامعني السؤال الآن عن أحقية العراق في دولة جامعة ؟ مامعني أن يتولي الحكم في البلد أكراد وفرس؟ مامعني أن تنفي الأغلبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية ؟ مامعني أن تستخدم جيوش من أقاصي الكوكب لتقتل عربا عراقيين؟ ما معني أن تكون اللغة العربية ممنوعة في إمارة كردستان،عراق البارزانية بأربيل ؟ اذا..نحن في عراق العجم! سأسكن في مصر العربية). وبعيدا عن أن ما كتبه سعدي يوسف ليست قصيدة، وليست شعرا، هي أقرب للمقال الصحفي، فإن الأدباء العراقيين رأوا في المكتوب إساءة للعراق،وإساءة إلي الجنوب العراقي تحديدا، فما يقصده سعدي بالعجم هم (الشيعة) وما يقصده بالفرس هم (الشيعة).. لينتهي الشيوعي الأخير(كما يحب سعدي يوسف أن يسمي نفسه) إلي الاتكاء علي رؤي طائفية، كاشفا عن سنيته المتعصبة..هكذا قرأ الغاضبون الأمر(قراءة طائفية بالتأكيد) رافعين شعار (من يحاول أن يعبث بتاريخنا نحرق تاريخه). نفس الجنون،ونفس العنف الذي يجتاح العقل العربي، في سعيه لتدمير كل مختلف، لكن في صورة أكثر إيلاما، فالمثقفون هنا (وليس التتار، ولا النازيون، ولا جماعات داعش، ولا التكفيريون) هم للأسف مشعلو الحرائق والمطالبون بها.. طبعا الكثير من الأدباء العراقيين رفضوا دعوة الحريق، لكن الشعراء أنفسهم، بعض الشعراء(للأسف) هم من طالبوا بحرق دواوين الشاعر الكبير، أمام تمثال الشاعرالأكبر(المتنبي)... إنهم يحرقون الشعر نفسه، يشعلون النار في أرواحهم، يحرقون أنفسهم، ويحرقون العراق...لا فرق بينهم وبين الإرهابيين، كلهم مشعلو حرائق.