قرأت في صحف الأمس أن سفيرنا في الحبشة محمد ادريس تبرع بدمائه خلال الحملة القومية التي تشهدها الحبشة للتبرع بالدم، وأن الصحف الاثيوبية اهتمت بذلك ورحبت بمبادرته، هذا إقدام واع، ذو أبعاد عديدة، أعرف السفير محمد ادريس منذ أن التقيته في اللاذقية بسوريا لأول مرة منذ حوالي عشرين عاما، كنت ألقي محاضرة عن الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، دفين دمشق، عندما انتهيت تقدم مني رجل لاحظت أنا التعبير الباسم لم يفارق وجهه طوال الجلسة، قدم إلي نفسه باعتباره القائم بالاعمال في سفارة مصر بدمشق وأنه جاء خصيصا من دمشق لحضور النشاط الذي أشارك فيه وأنه قرأ معظم ما كتبت، عرفت سفراء عظام يضعون البعد الثقافي في مقدمة عناصر القوة المصرية، كان في مقدمتهم الراحل العظيم اسامة الباز والذي لم يتصادف وجوده في بلد حللت به للمشاركة في نشاط ثقافي إلا وأجده في مقدمة الصفوف، وسفراء آخرين يضيق الحصر عن ذكرهم، توثقت صلتي بمحمد ادريس خلال عمله في البعثة المصرية الي الاممالمتحدة ومنها ذهب الي الحبشة، لم أترك كتابا عن البلد الذي تربطه بنا اوثق الصلات إلا واقتنيت منه نسختين، واحدة لي وأخري له، وللأسف، المراجع نادرة جدا، البعد الثقافي في العلاقات المصرية الاثيوبية كان في اولويات السفير محمد ادريس، خاصة ان احد عناصره الاساسية ديني، فالكنيسة المصرية والاثيوبية ذواتا مذهب واحد، ونلاحظ انه من اساسيات الدولة المصرية حسن العلاقات ومتانتها حتي في فترات الأزمات، هذا مبدأ مستقر منذ عصور الفراعنة: وظل قائما حتي عصر جمال عبدالناصر الذي حرص علي متانة الصلة بالامبراطور هيلاسلاسي ودعاه الي زيارة مصر في عام 1954 ولبي الامبراطور الدعوة عام 1959، وأجري له استقبال حافل، كان هذا مسلك حكام مصر منذ العصور القديمة وكانت العلاقات الثقافية بالمعني العميق فلم يستقر المذهب الارثوذكسي القبطي عبثا في اثيوبيا، منذ الفراعنة وثمة ود مستمر، احترام النظام هناك مهما كان، لم يختل هذا الا في عصر السادات الذي اتخذ موقفا إعلاميا ضد حكم ما نجستو ميريام اليساري. تصريحات المشير السيسي مساء الجمعة الي قنوات التليفزيون تعيد الحكمة الي طبيعة العلاقات، ويجيء تصرف السفير محمد ادريس بالغ الدلالة كخطوة رمزية لمرحلة مغايرة، ولكم أتمني في المرحلة الجديدة مؤازرة رؤيته التي تستهدف العمق الابدي للصلات بالتوسع في ترجمة النصوص الحبشية الادبية والتاريخية القديمة والحديثة، والتعريف بالبلد الذي يرتبط مصيرنا به، وهنا اقترح تحويل قناة النيل الاخبارية الي قناة إخبارية تختص بدول حوض النيل، خاصة الحبشة ذات الحضارة العريقة والتي تنتمي اليها جميلة الجميلات نفرتيتي. عندما تستقر المعرفة المتبادلة سيصبح الحوار حول أعقد المشاكل ممكنا