في كثير من الاحيان اتمني ان نكون علي قدر وفاء الكلاب التي نمتهنها ونحط من قدرها، فنحن عندما نسب انسانا نقول له " يا كلب " من باب التحقير والتسفيه، ولا ندري اننا في كثير من المواقف لا نرقي لمشاعر النبل والوفاء التي زرعها الله في الكلاب ! وصلني علي الفيسبوك فيديو لكلب رفض ترك جثة صاحبه عندما صدمته سيارة في الطريق وفرت هاربة، المارة غطوا الجثة بأوراق الصحف ثم نهروا الكلب ليبتعد لكنه اصر علي البقاء بجوار الجثة، جاءت الشرطة التي فشلت ايضا في ابعاده ،اتت سيارة الموتي لتحمل الجثة فظل الكلب يحوم حولها باحثا عن منفذ يصعد منه لجثة صاحبه، انطلقت السيارة والكلب يعدو خلفها ! وصلني فيديو آخر لكلب آخر عثر علي جروه ميتا، دمعت عيني عندما تابعته وهو يهيل عليه التراب بأنفه من كل اتجاه حتي أتم دفن جثته بالكامل، سبحان الله، تكوم بجوار المدفن والدموع في عينيه، نهض مطأطئ الرأس، ذيله مدل لأسفل، خطواته بطيئة تترجم الحزن النبيل الذي يكابده دون ان ينظر خلفه ! دعوني احدثكم عن الكلب " هاتشيكو " الذي صنع له اليابانيون تمثالاً، عثر عليه البروفيسور "سابورو أوينو" رئيس قسم الزراعة بجامعة طوكيو في محطة القطار عندما كان جروا صغيرا يبدو أنه تاه من صاحبه، تكفل به الاستاذ الجامعي حتي اصبح عمره عامين، اعتاد هاتشيكو طوال هذه المدة علي مرافقة البروفيسور إلي محطة القطار عند ذهابه إلي عمله كل صباح، اعتاد ايضا البروفيسور ان يري كلبه في انتظاره أمام المحطة ساعة عودته من العمل، الله وحده يعلم كيف حدد الكلب الساعة التي يعود فيها مالكه، بمرور الأيام أصبح انتظار الكلب هاتشيكو لصاحبه أمرا معتادا لمسافري محطة "شيبويا "، في يوم مشؤوم انتظر الكلب طويلا ،لم يخرج صاحبه من باب المحطة كالمعتاد كل يوم، ظل في انتظاره وهو لا يعلم ان البروفيسور لن يصل أبدا، فقد داهمته جلطة دماغية توفي علي اثرها وهو في العمل، من هذا الذي يستطيع إخبار الكلب بما جري، قبع هاتشيكو في مكانه ينتظر لليوم الثاني، حاول الناس صرفه من المكان بكل الوسائل، لكنه كان ينصرف ثم يعود، أستمر ينتظر،وينتظر، وينتظر ،لا ليوم، أو لأسبوع، أو لشهر، بل لعشرة أعوام كاملة، كان من يعرفون قصته يمرون به كل يوم يرمقونه بنظرات حزينة، كان منظره عند باب المحطة يثير خليطا من مشاعرالإعجاب والشفقة، البعض كان يهز رأسه أسفا، والبعض تعاطف معه فكان يقدم له الطعام والماء، تحول الكلب هاتشيكو إلي أسطورة يابانية حية عندما صورته الصحافة المحلية ونشرت قصته، وظلت تنقل للقراء اخباره، المعلمون في المدارس صاروا يشيدون بسلوك الوفاء العجيب الذي أبداه هذا الكلب، طالبوا تلاميذهم بأن يكونوا أوفياء لوطنهم كوفاء هاتشيكو لصاحبه، في عام 1934 قام نحات ياباني بصنع تمثال من البرونز لهاتشيكو،تم نصب التمثال في احتفال مهيب امام المحطة، كان هاتشيكو نفسه من حضور الحفل ،لا يعي بالطبع ما يدور حوله، بعدها بعام عثر علي هاتشيكو ميتا بجوار الحائط الخلفي لمحطة القطار، أحيطت جثته بعناية شديدة واحترام كبير، تقرر تحنيط الجثة المعروضة حتي اليوم بالمتحف الوطني للعلوم في مدينة اوينو بالعاصمة اليابانية طوكيو. لم تنتشر قصة الكلب هاتشيكو عالميا إلا في عام 2009 عندما انتجتها السينما الأمريكية في فيلم بعنوان " حكاية الكلب " قام ببطولته النجم العالمي ريتشارد جير مجسدا شخصية البروفيسور الياباني، الكلب الذي تم تدريبه لتجسيد شخصية هاتشيكو في رأيي هو البطل الحقيقي، القصة لا خيال فيها فهي من الواقع، بطلها كلب امتلك من الوفاء ما لم يمتلكه الكثيرمن البشر، فبعضهم، ولن نقول أغلبهم يأكل معك في صحن واحد، تفعل معه الخير الذي لا تنتظر له أي مقابل، لكنك ربما تفاجأ به يغتابك عندما تسنح له الفرصة، يتخلي عنك عندما تحتاجه، يهرب عندما تتصل به، يتهرب عندما تلاحقه بالسؤال، ربما ينكر الأيام التي جمعت بينكما، وقتها ربما تقول في نفسك " لو كنت قدمت لكلب ما قدمته لمن انكرني، لكنت ربحت منه الوفاء المفتقد " !