يبدو أن الأيام المقبلة حبلي بالمفاجآت, لا شك عندي في ذلك... فاليوم وبعد نحو عامين ونيف من ثورة يناير, مازال المصريون ومعهم كافة أبناء الوطن العربي, أمام خيارين أحلاهما مر, إما التغيير من الداخل من خلال آليات الديموقراطية والانتخابات التي تمرعبر التوافق والتراضي المجتمعي, في عملية سياسية طويلة ومؤلمة ومرهقة في آن, أو التغيير من الخارج. واقع الحال أن النجاح في معركة ما بعد الربيع العربي لن يكون مطلقا بعيدا عن تغيير المعادلة الداخلية والتنمية المحلية, وليس بالاستدانة والقروض( نموذج ماليزيا), والا فان التغيير سيأتي من الخارج ويفرض فرضا: إما بالقصف بالطائرات والدبابات أو بالمؤامرات, وبفرض العولمات: عولمة الفقر وعولمة التفسخ, ليتسع المجال عولمة الحكومة العالمية التلمودية المشبوهة القادمة بعد تفجير الجغرافية العربية بشرا وحجرا, أو بالثورات المختلقة, للإبقاء علي شعوب المنطقة مجرد مجموعات سكانية استهلاكية لا تنتج خبزها ولا سلاحها, ويظل وطننا العربي مجرد مختبر لكل تجارب وأنواع الفوضي القادمة من مراكز البحوث الصهيو أمريكية. المدهش أننا من فرط سذاجتنا, نتحرك وكأننا نعيش بمفردنا في الكون, و نسير في الميادين بدون رقيب أو حسيب, فندور مثل حجر الرحي, ثم نبدأ من جديد, و في كل مرة نكتشف أنه مفعول بنا, فنرفع سقف المطالب تلو المطالب لكي نغيرالحكومات. وأكرر هنا أيضا, أننا سنشهد تغيير الحكومات وترحيل الحكام بسرعة البرق, لكي لا تطمئن أية حكومة علي مصيرها, وألا تحلم بضمان كراسيها, لأن أزمنة الربيع العربي تتحكم في وتيرتها تسارع المشاريع الغربية, وليس الاستجابة لمطالب المستحمرين الربيعيين, مما ييسر تطويقهم والاستدارة علي مطالبهم, ما دام الغرب مصرا علي المضي قدما في تطبيق مناهجه لتفكيك المنطقة, وتفتيتها بكل الوسائل الممكنة, والتي لن يتراجع عنها أبدا, بموجب نظريته المعرفية الثابت والمتحول والثابت هو مبدأ السيادة, والمتحول هو تغيير الأقنعة والخطابات والأسماء. مع الأخذ في الأعتبار ما تشير اليه العديد من الدراسات الغربية, من أن الوضع الدولي علي المدي القريب, رهيب وخطير جدا لم تشهد البشرية وضعا أخطر منه: 1 خطير في حد ذاته, لأنه يحمل في طياته مفاجآت غير مسبوقة وتغييرات دولية مستجدة أهمها التغييرات الجغرافية بسبب الحروب القادمة للجغرافيا العربية بغية التقسيم والبلقنة! 2 وخطير لكون العرب في خضم اهتماماتهم الصبيانية غير مهيئين لمواجهة رياح التغيير الغربية العاصفة لغفلة الشعوب عن المخاطر المحدقة بها غدا علي جميع الأصعدة. بالتالي ونتيجة لما سبق, اضافة الي استغفال وعبثية التيارات الفكرية والسياسية والدينية وخوائها وزيفها وتخاذلها, فضلا علي أن النخب السياسية والفكرية لا خير فيها لأنها تابعة, وفي أحسن الأحوال مستقيلة وغائبة( ان لم تكن في غيبوبة تامة) ومنشغلة بأجنداتها الخاصة, بالمزيد من الترجسية والغطرسة وعبودية السلطة, وهي نخب تصارع آفات الشعور بالعظمة الزائفة وتداري مركبات النقص, بالاستعلاء والانتفاخ والتظاهر الأجوف, للتستر علي فراغ الروح, وتضخم الأنا, وهي ظاهرة( بيو- ثقافية) تخص معظم الساسة والنخب والمثقفين والمبدعين بدرجات متفاوتة إلا من رحم ربي. المهم أن النخب السياسية والمثقفة هي نخب رسالة.. والنهضة نفسها مسألة وعي وقرار وإرادة.. غير أن كل ذلك صار من الماضي, ولعل استشراء الفساد في كل المصالح والمواقع, دليل علي فساد هذه النخب, وغياب المشروع. وأخيرا فان مصر في رأيي, ما زالت تعاني من عدم وجود النخبة القادرة الصادقة, وعدم جود المشروع الإصلاحي الحقيقي, علي الجانبين. فأين الحل ؟