فجر المستشار مصطفي الحسيني المحامي العام الأول لنيابات الأموال العامة العديد من المفاجآت حول قضايا فساد, منها ما يرتبط بالمليارات المنهوبة من خزائن البلاد, وخروجها الآمن إلي مختلف أنحاء العالم, وأخري ترتبط بملف المصالحات التي تمت ولاتزال تتم مع عدد لا بأس به من رجال الأعمال التابعين للنظام السابق. ولم يخف المستشار مصطفي الحسيني في حواره مع الأهرام المسائي وجود ملف ثالث تستعد النيابة لتقديمه إلي الرأي العام, يخص عمليات غسيل الأموال التي تمت في السنوات الماضية باحتراف يصعب معها استرداد المليارات, وكذلك استمرار عمليات الملاحقة القضائية لملفات الفساد المختلفة. وكشف النقاب عن استرداد مصر فعليا ملياري جنيه سيولة نقدية من جراء ما أسفرت عنه تحقيقات الأموال العامة ومثلهما يوازيان قيمة أراض وممتلكات تم الاستيلاء عليها. وتعهد المستشار مصطفي الحسيني بأنه ورجاله لن يدخروا جهدا في الأيام والأسابيع المقبلة في سبيل إعادة أموال الشعب إلي خزائن الدولة ومكافحة الفساد.. وإلي نص الحوار.. * بعد فترة من توليك منصب المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة... ما الذي تم إنجازه؟ ** توليت منصبي بعد تكليف المستشار طلعت عبدالله النائب العام منذ خمسة أشهر, أنجزنا خلالها أكثر من1200 قضية تم التصرف فيها نهائيا سواء بإحالتها إلي المحكمة أو حفظها أو انقضائها بالتصالح. وكانت هذه القضايا مابين قيد التحقيقات أو تحتاج إلي سرعة إنجاز أو جاهزة للتصرف أو واردة إلينا من نيابات أخري من شتي أنحاء الجمهورية. ويعد هذا إنجازا غير مسبوق بعد أن غيرنا الشكل النمطي والكلاسيكي في عملية إجراء التحقيقات من سرعة الانجاز عن طريق استعجال التقارير من الهيئات الرقابية والأجهزة الأمنية واللجان المشكلة من إدارة الخبراء بوزارة العدل. * وما مدي حجم استجابة الجهات الرقابية في التعاون معكم ؟ ** كان من المستحيل إنجاز هذا الكم الهائل من القضايا دون وجود التعاون الصادق والجاد بيننا وبين الجهات الرقابية الأخري والحرص علي ابتكار آليات جديدة في التواصل وسرعة إرسال التقارير, فأنا لا أملك عصا سحرية لحل القضايا وخصوصا أن قضية الأموال العامة هي بالدرجة الأولي قضية مستندية. * ولماذا لا يتم توضيح هذا الكم من الجهد لوسائل الإعلام؟ ** أنا أصر علي أننا لا نعمل من أجل تقديم صورة معينة للإعلام بقدر العمل علي تقديم الصالح العام للوطن فنيابة الأموال العامة يتم تكليفها بقضايا فساد لا حصر لها خصوصا بعد الثورة ففي عهد النظام السابق تم نهب الكثير من أموال البلاد وتم تهريب معظمها, ومع ذلك فإننا نحرص علي نشر بيانات صحفية علي فترات خصوصا في القضايا المهمة. * تقديم المتهمين للمحاكمة أم استرداد المال المستولي عليه والتصالح أيهما أهم بالنسبة للنيابة العامة؟ ** لا تستطيع أن تفصل بين تقديم من أجرم في حق المال العام للمحاكمة واسترداد ما تم الاستيلاء عليه, ولكن يجب أن نوضح أن هناك فرقا بين جريمة العدوان علي المال العام وأي جريمة أخري مثل قتل النفس أو السرقة أو الاتجار في المخدرات. * وما الفرق؟ ** أهم شيء في قضية المال العام هو استرداد ما تم الاستيلاء عليه أو نهبه هذا هو رقم واحد لكن عدم استرداد المال خلال التحقيقات يعني بشكل عام وقاطع أن هذا المتهم سوف يؤول أمره في النهاية إلي محكمة الجنايات لأنه لم يبد الجدية في رد المال المنهوب. وخوف المتهمين من التعرض للعقوبة البدنية يدفعهم إلي التسوية أو التصالح برغبتهم من دون إجبار فمهما كان المحقق علي درجة عالية من الكفاءة واستخدم أساليب متنوعة في التحقيق ومناقشة المتهمين فإنه لا يستطيع الكشف عن مصير ما تم الاستيلاء عليه وإخفاؤه إلا بإرادة المتهم من أجل تصحيح موقفه القانوني وإثبات حسن نيته, وفي هذه الحالة يتم حفظ التحقيقات معه وانقضاؤها بالتصالح والتسوية وهذا بناء علي نصوص قانونية واضحة نص عليها قانون البنك المركزي وقانون تشجيع الاستثمار, وهذا حدث في الآلاف من القضايا علي مدار عشرات السنين, حتي إنه أصبح من النادر تحويل المتهم إلي محكمة الجنايات إلا إذا اقترنت القضية بوقائع تزوير وارتكاب مخالفات قانونية أخري, فما الفائدة التي ستعود علي المواطن المصري البسيط إذا تم تقديم المتهم في جريمة العدوان علي المال العام للمحاكمة دون عودة ما تم نهبه؟! أما القضايا الجنائية الأخري فالهدف الأساسي منها هو ردع الجريمة لأنها تتعلق بشخص المتهم فقط وليس بالمال الذي هو مسئول عن حمايته. * وهل يتم هذا مع رموز النظام السابق؟ ** نحن لا نحاسب أحدا سياسيا, فالكل عندنا سواء, ونتعامل مع الجميع وفق القانون والعدالة ولا نميز أي طرف عن الآخر ولا يستطيع أحد أن يزايد علي مواقفي تجاه وطني فعمليات الإقصاء التي تعرض لها تيار الاستقلال عامي2005 و2006 الذي انتمي إليه وقت أن كان النظام السابق في قوته وسطوته خير دليل علي مدي امتثالنا للحيادية والنزاهة, وأننا لا نجامل أحدا علي حساب الآخر, أو نتخذ من مواقعنا سبلا للتنكيل والانتقام. * وما حجم المبالغ التي دخلت خزانة الدولة منذ توليك؟ ** بعد أن توليت منصبي تمت إعادة نحو4 مليارات جنيه نصفها نقود سائلة تم تحصيلها والنصف الآخر عبارة عن أراض ومشاريع في مناطق عديدة, كما أن العديد من رجال الأعمال تنازلوا عن الأقساط التي دفعوها للدولة قبل ذلك وهو ما يدل علي جديتهم في عمليات التسوية وهو المطلوب من عملية التحقيق. * وماذا عن نتائج اللجان التي شكلها المجلس العسكري بعد الثورة لاسترداد الأموال المهربة للخارج؟ ** بالفعل شكل المجلس العسكري لجنة من وزارة العدل برئاسة المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل السابق لاسترداد الأموال المهربة من رموز النظام السابق لكنها لم تكن تمتلك السند القانوني الصحيح الذي تطالب به الدول الأوروبية بإعادة الأموال المهربة وإثبات أن المال الذي خرج من البلاد كان فاسدا فكانت النتيجة صفرا. ولم تستطع هذه اللجان أن تعيد قرشا للدولة وهي الآن متوقفة عن العمل, ولكن المستشار أحمد مكي وزير العدل السابق قام بإعداد مشروع بلجنة جديدة سوف نشارك فيها ومعروض الآن علي مجلس الشوري لإصدار قانون بتشكليها. * حضرتم الشهر الماضي مؤتمر دعم تدابير مكافحة الفساد وغسل الأموال.. فما هي أهم نتائجه؟ ** إزالة العديد من المعوقات التي تحول بيننا وبين استرداد ما تم تهريبه إلي الخارج والتعرف علي مصير الكثير من طلبات المساعدة القضائية التي قدمت إلي العديد من الدول مثل سويسرا وانجلترا وأمريكا وألمانيا والتواصل معهم للإسراع بتتبع باقي الأرصدة التي لم يكشف عنها. * هل لديك حصر لحجم الأموال المهربة؟ ** تعدد جهات التحقيق في قضايا الفساد مثل جهاز الكسب غير المشروع ونيابة أمن الدولة ونيابة الشئون المالية والتجارية يجعلني لا أملك رقما دقيقا حول ما تم تهريبه إلي الخارج ولكن ما أعلمه يقينا أن مئات المليارات من الدولارات تم تهريبها خلال عهد النظام السابق خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة, إذ استولي رموز النظام السابق وأخفوا وهربوا وأدخلوا الأموال في عمليات غسل بدول خارجية باحترافية شديدة جعلت عملية متابعة الأموال في غاية الصعوبة. * وما النسبة التي تستطيع مصر استردادها؟ ** منطقيا ومن خلال الملفات الموجودة لدي نيابة الأموال العامة يبذل كل أفراد فريق المحققين جهودا مضنية من خلال خطة تقريبية تؤكد أننا سوف نسترد مليارات الجنيهات خلال الشهور القادمة. * تحديدا... ما هي المعوقات التي تمنع مصر من استرداد الأموال المجمدة لدي الحكومة السويسرية؟ ** المشكلة تقع في اتفاقية الأممالمتحدة التي أبرمت عام2001 عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وقعت عليها مصر بشأن مكافحة الفساد وغسل الأموال, حيث تنص علي ضرورة إثبات فساد المال عند خروجه من مصر أو إثبات فساد صاحبه, وذلك بأحكام قضائية أو اتخاذ إجراءات قانونية بمعرفة النيابة, وهذا ما نعمل عليه حاليا. * كم قضية تم التصالح فيها أو الحفظ أو الإحالة إلي محكمة الجنايات؟ ** في الحقيقة كان هناك عدد من البلاغات تم التحقيق فيها وثبت بالدليل القاطع إما أنها تفتقر إلي مستندات تثبت الجريمة أو عدم وجود جرم في الواقعة المبلغ عنها, وهذه القضايا تجاوز عددها المائة, كما تم التصالح والتسوية في أكثر من70 قضية فيما تمت إحالة أكثر من10 قضايا إلي محكمة الجنايات. * تردد أخيرا أن النيابة العامة لجأت إلي التصالح مع رموز النظام السابق بعد أن انتهت مرحلة التنكيل بهم؟ ** ليس هذا بالضبط ما حدث لأنه في بادئ الأمر لم يبد المتهمون أي استعداد للتصالح أو التسوية, كما أن ضغط الشارع الذي مارسه المواطنون علي النيابة العامة في ذلك الوقت بعد الثورة مباشرة جعلهم لم يلتفتوا إلي طلبات التسوية, لكن بعد أن تأكدت جدية المتهمين في التسوية قبلنا عملية التصالح, وهذا ما حدث مع رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة وزهير جرانة وأحمد المغربي وزيري السياحة والإسكان في عهد المخلوع. فالنيابة تقبل وتبحث طلبات التسوية ولكنها لم ولن تطلب من أحد الرموز أو رجال الاعمال المتهمين بداخل وخارج السجون التصالح او التسوية. ومنذ إنشاء نيابة الأموال العامة العليا عام1992 وهي تسير بقانون خاص يختلف في التحقيق عن القضايا الجنائية الأخري لأن القانون يتيح لمحقق نيابة الأموال العامة مساحة قانونية بالتصالح مع المتهم.. فنحن نعمل طبقا للقانون. * وماذا عن رجل الأعمال الهارب حسين سالم؟ ** في البداية تقدم محامي حسين سالم في مصر بطلب منذ شهر يناير الماضي بتسوية جميع منازعاته القضائية سواء كانت قيد التحقيق أمام النيابة أو صدرت فيها أحكام غيابية ضده أو ضد أحد أفراد اسرته. كان يعرض التنازل عن50% من ثروته التي تتضمن مشروعات ومنتجعات سياحية ومحطة مياه وأسهم بالبورصة مقابل عدم ملاحقته هو وأولاده قضائيا. * وماذا كان ردكم؟ ** تمت دراسة طلبه تحت إشراف المستشار طلعت عبدالله النائب العام بعد تجميع كل المنازعات القضائية ضده سواء التي صدرت ضده فيها احكام أو المحالة للجنايات أو التي مازالت قيد التحقيق وبدأنا رحلة البحث عن قيمة ثروته وتم تجميع معلومات كاملة عن ثروته في داخل مصر وخارجها بالاستعانة بجهات أخري رقابية وأمنية وتم وضع تصور معين عن ثروته, وبعد ذلك تم الرد عليه برفض النسبة التي اقترحها لأنه ليس من حق المتهم أن يفرض شروطه علي النيابة العامة في عملية التسوية. * وكم تبلغ ثروته؟ ** بعد جهود رجال النيابة العامة والجهات الأخري في البحث والتحري ثبت لدينا أن مجمل ثروته يصل إلي10 مليارات جنيه. * وما آخر مستجدات هذا الملف؟ ** تم عقد لقاء في إسبانيا في أثناء حضورنا احد المؤتمرات هناك لبحث آليات استرداد الأموال, وبناء علي طلب قدمه محامي حسين سالم للمستشار طلعت عبدالله النائب العام تم عقد جلسة تفاوض مباشرة أشرفت عليها وفريق من رجال النيابة العامة, وكان الهدف من هذا اللقاء الحصول علي إجابات وافية حول بعض التساؤلات. * مثل ماذا ؟ ** أولا النسبة التي سوف تحصل عليها مصر من قيمة ثروته وهل سيتم الحصول عليها في صورة نقود سائلة أم مشروعات وأسهم وهل سيتولي سالم عملية بيعها أم سيتنازل عنها للدولة. ومن جانبنا نبذل جهودا مكثفة في الضغط عليه ليشمل طلب التصالح المقدم منه لتسوية أوضاعه, قيامه بالتدخل لدي شريكيه الأجنبيين لإقناعهما بالتنازل عن دعوي التحكيم الدولي التي أقاماها للمطالبة بتعويض مالي من الحكومة المصرية, وذلك عقب فسخ تعاقد الشركة المملوكة لهما وحسين سالم, والتي كانت تتولي تصدير الغاز الطبيعي المصري إلي إسرائيل, خاصة أن شريكيه يطالبان الحكومة المصرية بتعويض يصل إلي9 مليارات دولار. لذلك نمارس ضغوطا علي حسين سالم لكي تشمل التسوية شروطا تحفظ حقوق مصر. * آخر التطورات في قضية هدايا المؤسسات الصحفية؟ ** هذه القضية كانت عبارة عن مجموعة ملفات لم يتم التعامل فيها من قبل ومازالت أمامنا إلا أننا قطعنا شوطا كبيرا في التحقيقات للوصول إلي حقيقة الأمر, ومن المتوقع ان تتجاوز قيمة الهدايا بتلك المؤسسات500 مليون جنيه. ويعد الجهاز المركزي للمحاسبات حاليا تقريرا مفصلا عن تلك الهدايا الممنوحة لرموز النظام السابق خلال20 سنة ماضية. * ولكن المحكمة كانت تنظر أمر منع التصرف في هذه القضية؟ ** هذا بالنسبة لمن لم يلجأ إلي التسوية وسدد ما عليه من مال وهم رؤساء مجالس الإدارات السابقون. * ماذا عن البلاغات المقدمة في جماعة الاخوان المسلمين للكشف عن مصادر تمويلها؟** لا توجد بلاغات في هذا الشأن.. لكن من يمتلك أي مستندات فعليه تقديم بلاغ بها إلي النيابة وسنتولي التحقيق فيه, لأنه كما سبق وقلت: قضية الأموال العامة مستندية بالدرجة الأولي حتي نشعر أن البلاغ ليس كيديا أو مجرد حبر علي ورق. * هل هناك بلاغات تم تقديمها في مسئولين بعد ثورة يناير2011 ؟ ** هناك بالفعل بلاغات ضد مسئولين بعد الثورة لكنها قيد التحقيق في بعض القطاعات مثل البترول والسياحة, ولا أستطيع أن أفصح عنها حفاظا علي سمعتهم, خاصة أن الكثير منهم قد يلجأ إلي رد المال المستولي عليه وحفظ التحقيق. رابط دائم :