لم يشأ المستشار مصطفي حسين المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة العليا لعمليات التسوية مع رموز النظام السابق أن تمضي خطواتها بعيدا عن القانون.. فقد حقق علي أرض الواقع ضمانات عديدة لاستعادة كامل حقوق الدولة وإزالة العدوان الواقع علي المال العام. وعبر عن مخاوفه من جراء استمرار نظر قضايا الفساد المالي أمام المحاكم.. لكون العقود المبرمة شابها عوار شديد وأغفلت حقوق الدولة وانحازت لأصحابها ومنحتهم حق اللجوء في المنازعات إلي التحكيم الدولي. فتح الطريق أمام رموز النظام السابق للتصالح مقابل استعادة الأموال المنهوبة وحفظ القضايا دون خطوط حمراء. ورفض إكساب عمليات التصالح ثوب العمل السياسي واعتبرها خطوة جادة يضمنها القانون وتعيد مناخ الثقة للاقتصاد المصري. في هذا الحوار يكشف المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة العليا كواليس ما يدور في عمليات التسوية مع رموز النظام السابق. هل خضعت عملية التسويات التي جرت مع رموز النظام السابق لقواعد قانونية شفافة؟ عندما شرعت نيابة الأموال العامة في التصدي لعملية التسويات لم يكن ما عقدت عليه العزم محض رؤية شخصية وإنما هو انعكاس لصحيح القانون ووضعت لتنفيذها ضوابط صارمة تحقق هدفين أساسيين.. الأول يتعلق بنصوص القانون.. والثاني يجسد في معناه روح القانون ومرونته. إذا كان القانون يسمح بالتصالح.. فلماذا لم يكن ينفذ من قبل؟ لم يكن الوضع السياسي خلال الفترة الماضية قد استقر في مكانه واتخذ وضعه الطبيعي, وفوق كل ذلك حدة النظرة المصوبة سهامها إلي رموز النظام السابق ورفض الرأي العام إجراء مثل هذه النوعية من المصالحات.. توقيت البدء في التسويات مع رموز النظام السابق يطرح علامة استفهام دون إجابة؟ أود تأكيد مبدأ يقوم علي منهجه القضاء قوامه أن أداء النيابة يأتي في معزل عن الأوضاع السياسية, فالنيابة لا تعمل بعيدا عما تقتضيه المصلحة الوطنية, فلابد أن نشعر بما يدور حولنا ونتعامل معه في إطار قاعدتين, الأولي ضمان حقوق الدولة.. والثانية تطبيق صحيح القانون. هدفنا الأساسي في الأموال العامة إعادة حقوق الدولة وإزالة العدوان الواقع علي المال العام. لدينا هدف أصيل في هذه العملية يتجسد في استعادة المال العام وبهذه الإجراءات نسترد كل شيء.. ليس هناك ما يدعو إلي الاستمرار في إجراءات التقاضي مادامت الأموال ستعود والتسويات لم تتم فقط مع رموز النظام السابق, وإنما تجري أيضا مع غيرهم. من أين صدرت مبادرات التسويات والتصالح في جرائم المال العام؟ عندما توليت المسئولية في نيابة الأموال العامة وجدت عروضا للتسويات.. لكن لم يكن أحد يتعامل معها خوفا من ردود الأفعال في أوساط الرأي العام.. وقد بدأت التصدي لهذا الملف ونظرت إلي العروض المقدمة ووفرت ضمانات قوية لاتخاذ إجراءات بشأنها.. بعدها جاءت عروض أخري, حيث نعمل الآن علي تسوية عشرين قضية أموال عامة. المصلحة الوحيدة التي نسعي إليها تتمثل في استعادة الأموال المنهوبة دون تنازلات تهدر حق الدولة. هل جري التنسيق مع الحكومة في شأن المصالحات قبل إتمامها؟ هذه القضايا يتم التعامل معها بتنسيق كامل مع الحكومة, فبعد اتخاذ الإجراءات القانونية وتحديد الضوابط التي تكفل عمليات التسوية, تأتي لجنة مشتركة تضم نيابة الأموال العامة والحكومة وصاحب التسوية. ألا تري أن التصالح مع المتهمين بنهب المال العام يعد استباقا للأحكام؟ أتحصن في ذلك بروح القانون, والنصوص القانونية جاءت في الأصل لحماية وتحقيق المصلحة العامة.. إن الاستمرار في إجراءات التقاضي علي النحو السائد يجعل اقتصاد الدولة يسدد ثمنا باهظا ويدفع برءوس الأموال إلي الهروب.. المصلحة الوطنية تقتضي اختصار الطريق وغلق المنازعات القضائية لإعادة مناخ الثقة أمام الاستثمار. ما لا يعلمه كثيرون أن العقود الاستثمارية التي أبرمت مع المستثمرين من رموز النظام السابق وغيرهم لم تكن عقودا قانونية وإنما عقود إذعان ضاعت في بنودها حقوق الدولة. كيف رصدت وقائع الفساد في العقود المبرمة؟ يفترض أن تتضمن تلك التعاقدات بنودا واضحة للحفاظ علي حقوق طرفي العلاقة, والحقيقة أن العقود جاءت لتحمي طرف المستثمرين دون حقوق الدولة, مما جعلها تشكل عدوانا علي المال العام. هل تتوقع للدولة حصاد ثمار طيبة من جراء الاستمرار في التسويات مع رموز النظام السابق؟ إذا لم تكن خطوة التسويات تحمل في ثناياها الخير الكثير للدولة, وتعيد إليها حقوقها المسلوبة.. فما كنا لنقدم عليها. إذا كان مبدأ التصالح قائما.. فلماذا أحالت الأموال العامة ست قضايا للمحاكمة الأسبوع الماضي؟ نيابة الأموال العامة لن تبادر بعرض الصلح علي المتهمين, فهذه قضية تخضع بالدرجة الأولي لرغبتهم ومدي استعدادهم للوفاء بالالتزامات المترتبة علي ذلك.. أمر التصالح معروض أمام الجميع, وإذا كان لأصحاب تلك القضايا رغبة في التسوية ما كنت أحلتها إلي المحاكمة. هل توجد خطوط حمراء في عمليات التسوية والتصالح مع رموز النظام السابق؟ يأتي التعامل في قضايا الفساد المالي مع رموز النظام السابق علي أساس قاعدة ثابتة, لا تتغير بتغير صاحب القضية وليس لنا توجهات نمارسها مع أشخاص ولا نمارسها مع آخرين.. القضية الأساسية في الأمر هي الحفاظ علي ثروات الدولة وإزالة العدوان الواقع علي المال العام واسترداد ما أخذ بالمخالفة للقانون.. الخطوط الحمراء غير موجودة, والطريق مفتوح أمام الجميع دون قيد أو شرط. هل من الممكن أيضا التعامل بثوابت تلك القاعدة والتصالح مع الرئيس السابق ونجليه؟ لن نكيل بمكيالين وسنطبق القانون علي الجميع إذا بادروا برد الأموال التي سلبت باستغلال النفوذ, بدليل تعاملنا مع قضية رد هدايا الأهرام للرئيس السابق ونجليه, ولم نتردد في تسوية الأمر ماليا. لماذا انحصر التحقيق في هدايا الأهرام علي الفترة من2005 وحتي2011 دون غيرها؟ البلاغات التي قدمت لنيابة الأموال العامة تركزت خلال هذه الفترة فقط وفي ضوء ما ذكره تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات, ونستطيع التحقيق أيضا إذا وردت بلاغات أخري. بالنسبة للرئيس السابق ونجليه أمازالت لهم قضايا فساد مالي تخضع للتحقيق؟ ليس لمبارك قضايا أخري في هذا الشأن حتي الوقت الراهن بعد غلق ملف هدايا الأهرام.. أما علاء وجمال فقد تقدمت فيهما بلاغات تتعلق بوقائع فساد مالي, ومازالت قيد التحقيق وجمع الأدلة حولها, وبمجرد الانتهاء منها سيتم إعلانها. كيف تري حقيقة التسوية التي تقدم بها رجل الأعمال الهارب حسين سالم إليك؟ أتصور أن فيها كثيرا من الجدية, وقد تقدم بها بالفعل محاميه في القاهرة, واطلعت علي تفاصيلها, وتجري دراستها حاليا للوقوف علي طبيعة حالته القانونية, في ظل صدور أحكام من القضاء المصري بسجنه والأموال المقترح ردها إلي خزانة الدولة. قاطعته.. لكن محاميه قال إنه حدد في طلبه إعادته فقط لنصف أملاكه في مصر؟ التسوية ستجري في ظل قواعد واضحة ومحددة, وليس في ضوء ما يفرضه سالم.. لقد طلبنا بشكل قاطع ضرورة كشفه عن أمواله وممتلكاته في مصر وخارجها, وكذلك ابنه وابنته.. مسألة نصف ثروته في المطلق لن تتم وستتخذ كل الإجراءات اللازمة في هذا الشأن. هل تملك نيابة الأموال العامة خريطة كاملة بتفاصيل ثروة حسين سالم في الداخل والخارج؟ داخل مصر نعرف من خلال الأجهزة الرقابية كل تفاصيلها وتقدر بما يقرب من8 مليارات جنيه.. أما خارج مصر فليس لدينا معرفة كاملة بها. ألا تري أن تسوية قضايا سالم ونجليه تنطوي علي مشكلات قانونية علي اعتبار صدور أحكام نهائية بسجنه؟ لو جرت عملية التصالح في قضايا الفساد المالي, فإن النيابة سترفع عنه القيود وتوقف المطاردات وستعاد محاكمته من البداية, والأحكام ستصبح كأن لم تكن. هل خضعت لضغوط مارسها عليك النائب العام المستشار طلعت عبدالله لقبول مبدأ التصالح؟ عندما تلقيت عرضا بتولي مسئولية الأموال العامة.. كان لي سؤال محدد حول المناخ الذي سأعمل في ظله, والحرية التي أحصل عليها.. وجاءت الإجابة من النائب العام واضحة وقاطعة.. ليس هناك خطوط حمراء ولك مطلق الحرية فيما تتخذه من قرارات. بماذا تفسر تلاقي وجهة نظر نيابة الأموال العامة مع حزب الحرية والعدالة بشأن عمليات التصالح؟ ليس لدي تفسير محدد في هذا الشأن.. تلك العمليات جرت بقناعة شخصية وفي ضوء خبرتي الطويلة في مجال التعامل مع المال العام بأن التصالح أفضل ضمانة لاسترداد الأموال المنهوبة, وقد شجعني علي ذلك نقض99% من الأحكام الصادرة بحق رموز النظام السابق. ثمة عقبات تحول دون إنجاز تسوية شركتي دماك والفطيم؟ خطوات الإجراءات القانونية في شأن عملية التسوية تسير وفق الضوابط المتبعة ولا يوجد ما يحول دون إتمامها. إلي أين تذهب حصيلة أموال التسويات في قضايا الفساد المالي؟ كل الأموال السائلة التي يتم الحصول عليها من عمليات التسوية يجري سدادها علي الفور في الخزانة العامة للدولة, ولا يوجد أي أموال منها لدي النيابة. إلي أين وصل الموقف القانوني لرجل الأعمال أحمد بهجت بشأن قضية أرض دريم لاند؟ أوراق القضية جار فحصها علي نحو جاد, ومن السابق لأوانه الجزم بتوجيه اتهام له في مسألة حصوله علي المساحات الشاسعة من الأراضي بشبهة الفساد. قلت له: وهل ستحقق مع بهجت في قضية حصوله علي قروض من البنوك بضمان الأرض محل الشكوي؟ هذه الجزئية جري فحصها وانتهي الأمر فيها إلي أن البنوك قد حصلت من أملاكه علي الضمانات الكافية, وبالتالي ليس هناك ما يدعو إلي التحقيق معه في هذا الشأن. عندما توليت مسئوليتك في الأموال العامة وجدت ملفات قضايا قد عبث بها سلفك؟ لم أجد شيئا من هذا القبيل.. فكل القضايا جري التعامل معها وفق القانون.. ولم يكن هناك شبهة مجاملة لأحد. بماذا إذن تفسر تعطل إحالة كثير من قضايا الفساد المالي للمحاكمة؟ هذا ليس معناه وجود شبهة انحراف قانوني, ولكنه نتيجة لعوامل خارجة عن إرادة نيابة الأموال العامة, وكانت تحتاج إلي مساعدات من جهات أخري حتي تكتمل صورة أدلة الاتهام. ألا تجد في عدم إحالة قضايا الفساد المالي بوزارة الإعلام إلي المحاكمة نموذجا صارخا في هذا الشأن؟ ليس من الإنصاف إلقاء العبء كاملا علي نيابة الأموال العامة وتغيب الجهات الأخري المعاونة لها, والتي تلعب دورا محوريا في سرعة إنجاز القضايا وإحالتها إلي المحاكمة. كيف ستواجه تراخي الجهات المعاونة لنيابات الأموال العامة؟ من غير الإنصاف اتهام كل الجهات المتعاونة بالتراخي عن أداء واجبها, فهناك أجهزة تتعاون علي نحو جيد يأتي علي رأسها الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة.. أما مصلحة الخبراء, فبرغم تحفظ أبديه علي نظام العمل فيها, فإنني ألتمس لها العذر من جراء عبء ثقيل يحمله أعضاؤها فوق عاتقهم.