يعد التأمل جوهر الإسلام والتقاليد الدينية الاسلامية ويتضمن هذا التأمل المشرق مفاهيم التفكير والتدبر, واعتمادا علي ذلك فإن الممارسات التأملية وفقا للتقاليد الروحية والدينية غالبا ما توفر نقطة الانطلاق الرئيسية نحو معرفة الذات الآلهية والتقرب إلي الله. والمتأمل في تعاليم الاسلام الحنيف يجد أن التفكير أساس عقيدة المسلم وقد أعطي الله أهمية كبيرة للتعقل والتدبر والتفكير والتأمل, وما أكثر آيات الذكر من القرآن الكريم التي تحثنا علي ذلك, ويقول الإمام الغزالي: الإسلام لا يلوم علي حرية الفكر, بل يلوم علي الغفلة والذهول, والمصابون بكسل التفكير واسترخاء العقل عصاة في نظر الإسلام, ويؤكد ابن القيم في مدارج السالكين أن اليقظة أول منازل الفهم, وهي التي تؤدي إلي الانتباه, فاليقظة تكون الفكرة النيرة التي تهدي القلب إلي المطلوب فاليقظة العقلية تتضمن الوعي والانتباه والتركيز علي الأحداث الايجابية أو السلبية في اللحظة الحالية دون تفسيرها أو إصدار أحكام قيمية عليها. واليقظة العقلية ترتكز علي ثلاث حقائق هي: (القصد والانتباه والسلوك) وهذه المرتكزات لا تنفصل بعضها عن بعض وإنما هي متشابكة في عملية واحدة وتحدث في وقت واحد حيث يمهد القصد الطريق لما هو ممكن, كما أنه يذكر الفرد لحظة بلحظة لماذا يمارسها في المقام الأول.. ثم تشير مرحلة الانتباه إلي الاحتفاظ بالانتباه الذي يتضمن ملاحظة العمليات التي تحدث للفرد من لحظة إلي أخري, وفي الخبرات الداخلية والخارجية, كما أن التنظيم الذاتي للانتباه سيكون منبئا للنتائج ويعمل علي تنمية المهارات الثلاث معا, ويشير السلوك كمرحلة أخيرة إلي نوعية اليقظة العقلية, وأنه يعكس توجيه الخبرة التي تتضمن الفضول والتقبل, الأمر الذي يتطلب أن تكون اليقظة العقلية معتمدة علي: تنظيم الذات وإدارة الذات ثم المرونة الانفعالية والمعرفية والسلوكية واليقظة العقلية تجعل صاحبها في مقدوره أن يتجنب ما يواجهه من ضغوط وتعمل علي تحسين جودة حياته, ثم تنعكس علي حالته المزاجية, بل هي تخفف من حدة التعرض للأمراض وكيف نتعامل معها. واليقظة العقلية تساعده أيضا علي تعزيز الشعور بمعني الحياة واستكشاف المعاني الجديدة التي تساعدنا علي التفكير في مشاكلنا واليقظة العقلية هي مفتاح النجاح في الحياة طالما استندت علي التأمل الدقيق العميق المبني علي القيم والأصول الاجتماعية السليمة لأنها هي التي تدفع الأفراد أصحاب اليقظة العقلية إلي التكاتف والتفاعل ورفض الظلم وكل ما يؤدي إلي العنف والاستبداد. وعندما قال البعض أننا نعيش في عصر القلق والتوتر والصراع النفسي فإننا نقول لهؤلاء: غابت عنكم اليقظة العقلية فوقعتم في براثن الظلام وغياب العقل واستسلمتم لمهاترات الآخرين وخيم علي قلوبكم الخوف من المواجهة فضاعت منكم بهجة الحياة وإذا كان الانسان قد صنع لنفسه الحضارة ظنا منه أنها تمثل راحته وسعادته, ولكن الذي حدث أن الانسان قد أصبح أجوف أو محشوا بمعطيات الحضارة المادية يتساند بعضه علي بعض وقد امتلأت رأسه بالهشيم, وأصبحت أصواته جافة عندما يتهامس وتبدو عندما يتكلم هادئة في اصطناع لا يكسبها المعني كحفيف الريح علي العشب الأخضر, أو كوقع أقدام علي زجاج منكسر في حجرة بالية مهجورة لا مظهر لها ولا شكل, لا ظل ولا لون قوة مشلولة حركة دون سير, نشوة بلا حيوية أو تفاعل يشعره بإنسانيته. والسؤال الآن: من الذي صنع لنفسه القلق والتوتر أليس الانسان الفرد هو الذي اجتاز مرحلة الخيال لكي يحاول أن يقبض علي الحقيقة بجمع يديه, ويزعم لنفسه أنه ليس في الحياة سوي البداهة والوضوح والنفسية والنظر العقلي الخالص من هذا المنطلق أخذ يخترع ويبتكر ليؤكد ذاته دون أن يعطي بالا للآخرين ولو كان كل فرد يوظف طاقاته العقلية في سبيل إسعاد الآخرين والتفاعل معهم وحقق لنفسه إنجازا سليما من خلال يقظته العقلية وبصيرته الفكرية وقلبه المؤمن... لما حدثت المشكلات ولا ضاق كل فرد من الآخر ولم يشعر بقيمة الحياة وجودتها. وبطبيعة الحال هناك من يحارب كل صاحب يقظة عقلية ويحاربون أولئك الذين يفكرون خوفا من يقظتهم العقلية ومن فكرهم المتوقد وإيمانهم العميق.. هؤلاء الأشرار الذين يحاولون طمس الحقيقة وإسدال الستائر المظلمة علي اليقظة العقلية, تدفعهم أنانيتهم وحرصهم علي أن يمتلكوا كل الأمور.. وينسون أن الضرورة الاجتماعية تلزم الإنسان الفرد الواعي بمقدراته كإنسان أن يري بوضوح ويدرك بإمعان ويتدبر كل الأمور المتعلقة بحياته واستمراره السوي مؤديا دوره في الحياة لأن صاحب اليقظة العقلية هو الانسان الراقي الذي يسعي جاهدا إلي أن يعيش مع الأمل والحب, ففي الأمل الحياة ومع الحب الاستمرار السليم. رابط دائم :