نميل في غالب الأحوال إلي نقد الذات ومحاولة وضع النفس أمام مرآة النقد العجيبة التي تعاني من كسر في بعض جوانبها, فلا يري الانسان إلا صورة معوجة وتكوين متكسر غير متوافق ومثل هذا الشعور الغريب قد رأي بعض المتخصصين في مجال تأصيل الخصائص النفسية للشعوب أن الروح العامة التي تميزنا هي روح الفكاهه والدعابة والبهجة إلا أن هذا الشعور يواكبه ضرب من ضروب العكننة أو الميل إلي إيذاء النفس وتغليفها بغلاف قاتم رهيب من هذه العكننة والذي يحيل هذه البهجة إلي شعور قاتم وتعاسة وحزن!! والحق يقال: إن أخلاق أي شعب لا تتميز عن أخلاق شعب آخر لأن الظروف الموضوعية المتراكمة عبر التاريخ والتي مر بها هذا الشعب تختلف عن ظروف هذه الشعوب الأخري موضع المقارنة. ولعل هذا ما يدفعنا إلي أن نعيد النظر في أمر هذه القسوة الفظيعة التي تجعلنا نقسو علي أنفسنا بضراوة دون أن نتفهم الأبعاد الموضوعية لتلك الأحكام القاسية, والتي تجعلنا نفرط في توجيه هذا اللوم وذلك التأنيب.. ولابد وأن نتفهم الأبعاد الموضوعية لتلك العكننة قبل أن نوجه هذا اللوم, وقبل أن نقف أمام أنفسنا تحت وطأة هذا الشعور الناقد والقاسي في ضراوة في لوم النفس أن ندرك مدي تأثير العوامل المعاكسة التي تعرضنا لها عبر التاريخ وكيف استطعنا مواجهتها وما أثرها علي نفسيتنا؟ ومن هذا المنطلق نستطيع أن نتجه بأمانة وموضوعية وراء الأسباب التي تحيل البهجة إلي عكننة وتجعل الابتسامة تتبخر من خلال الدموع!!! وإذا كان الضحك علامة من العلامات المعبرة عن البهجة حيث نجد الشخص البالغ قد يضحك وهو يستحم في البحر, أو حينما يهبط بسرعة من فوق جبل عال تعصف به الرياح, وهناك بعض الجوانب الحضارية قد عملت عملها في الضحك فأصبح له من الدلالات الاجتماعية والمعاني العقلية ما جعله يفقد رونقه الطبيعي( الغفل) لأننا نفعل هذه الجوانب الحضارية وما يصاحبها من( بروتوكولات)( واتيكاتات) ومراسم وحيثيات قد أصبحنا لا نضحك للتعبير عن شعورنا بالرفاهية أو الراحة أو السعادة. والواقع أن شعورنا بالعكننة قد يأتي من تلازم مجموعة من العوامل تضغط علي الانسان وتحرمه بهجة الحياة وحلاوتها ومن هذه العوامل التي قد تساعد علي انتشار العكننة. * عندما يصير حديث الأفراد عن انتشار ظاهرة عدم الاهتمام بالمصلحة العامة للمجتمع الذي نعيش بين جوانبه وهذا الوطن الغالي الذي يظللنا بسمائه ويروينا بنيله العذب. * تزداد العكننة عندما يري الأفراد أن قدرا غير قليل من عيوبنا الأخلاقية راجع إلي انتقال عدوي القدوة السيئة بحيث تتسلل هذه العدوي تدريجيا إلي المستويات العليا في المجتمع مرورا بالمستويات الدنيا.. فتجمع بين هذا وذاك. * تتجلي العكننة في أبشع صورها من خلال أسلوب النفاق والمجاملة والتطرف في إظهار المحاسن من خلال هذا السلوك المتزلف والذي يظن البعض وهم واهمون أن هذا السلوك سوف يعود عليهم بالمنفعة ويجلب لهم البهجة, إلا أن هذا السلوك يؤدي إلي عكننة المنافق وعكننة الاخرين الذين يتعامل معهم والذي يشاهدون نفاقه ويراقبونه بعين النقد والاستهجان. * وتستمر العكننة في الظهور كملمح من ملامح الانفعال الذي يعبر عن عدم الارتياح وانعدام البهجة عند البعض, أو عندما يشيع سلوك قلة الذوق, وانعدام الشهامة والمفهومية وينحسر سلوك الأدب والخشية والحياء, ذلك الذي تحاول مجموعة من العلاقات الاجتماعية الجديدة ان تطيح به وتقضي عليه من خلال تبادل المنفعة أو الغاية تبرر الوسيلة.., واللي تغلب به إلعب به (وإللي تجوز أمي أقول له يا عمي) وتتلاشي البهجة أيضا في مواجهة العكننة التي تأتي من عدم قدرتنا في بعض الأحوال والظروف والملابسات علي أن نفصل بين الأهداف الشخصية بما فيها من أطماع وجشع, وبين العمل الذي يفترض أن نقوم به ابتغاء مرضاة الله بموضوعية وأمانة بعيدا عن المصالحة الشخصية من عوامل ذاتية.. دون أن نضع في اعتبارنا ان هذا البلد الذي نعيش فيه وهذا الوطن الذي يحتضننا بين جوانبه ليس ملكا لفرد أو مجموعة أفراد, ولكنه وطن الجميع وأن الذي يعمل بجد واجتهاد وأمانة وموضوعية وكفاءة, هو ذلك الذي يرعي مصلحة الآخرين قبل أن يحقق مصلحته الشخصية. * ومن عوامل العكننة أيضا أن هناك من لا يستطيع أن يفرق بين التفكير النظري والتفكير الفعال, حيث يكثر الظلام وتكثر الوعود الوردية ولا تتحقق الكلمات أو الوعود في واقع التنفيذ. ولعل هذه المشكلة هي التي جعلت هؤلاء البعض يعيشون علي اجترار هذه التصورات الشكلية واللفظية دون النفاذ إلي تفاصيل الموضوعات والتخطيط السليم الفعلي المعتمد علي إجراءات منهجية في تنفيذها. * وتظهر ملامح العكننة بجلاء ووضوح من خلال هذا السلوك السلبي الذي يجعل صاحب العكننة( إذا صح هذا التعبير) يميل إلي الانسحاب وعدم المشاركة الفعالة ويصاب بضرب من ضروب الاهمال المتعمد والمقصود, لأنه يري ان الذي يعمل بجد هو نفسه الذي لا يقدر, وإن الذي لا يعمل ولكنه يستخدم أسلوب التزلف للوصول يرقي ويتقدم. ومن هذا لا يهتم بمصالح وطنه ولا يكترث بمشكلاته ولا يتعاون في حلها لأنه لا يري البهجة إلا في عيون وقحة سمحت لنفسها ان تأكل هي فقط دون مراعاة لعيون الآخرين تلك التي تلمع فيها دموع الحرمان!! وبهذه الأسباب السابقة لشعور العكننة لابد وأن نفكر في التخفيض من حدتها ولن يتم لنا هذا إلا إذا حاولنا الاعتماد علي المنهج السليم والوضوح في التعامل وعندما نتخلص في ثقافتنا من اتجاهات تقديم الالتماسات والرجاءات, وأن نبتعد عن أسلوب الازاحة والإسقاطات.. حتي لا نميع المسئولية ونبرر الأخطاء وعلينا أن نحرص علي الابتسامة التي تجعلنا نتجه إلي زملاء الإنسانية بروح المحبة والمودة.