هم في الظل دائما, منسيون, مهملون, كما هم قبل وبعد الثورة صابرون, راضون, صامتون, قانعون, خرج الجميع إلي شوارع الفوضي إلا هم, ورفع الكل قوائم المطالب بحق أو بدون حق, إلا هم, لم يتوقفوا عن العمل, ولم يتخلوا عن الأمل, صانوا العهد, وأوفوا بالوعد, فكان جزاؤهم عقابا وخسارة وخراب بيوت.. عن المزارعين أتحدث وعن همومهم أتكلم عسي أن أجد آذانا تسمع أو عيونا تدمع, فعلي مدي عامين وقع الفلاح تحت وطأة الكساد والغلاء وتحمل بصبر وجلد آملا في غد يعيد إليه حقوقا سلبت علي مدي ثلاثين عاما كان فيها الضحية لم يجن منها سوي الديون والسجون, إلا أن هذا الليل الأسود لم ينجل والصبح يأبي أن يأتي وتحولت حياة الفلاح إلي جحيم بعد أن رفضت الحكومة تسلم المحاصيل وتنصلت من التزاماتها وتعهداتها وتركت المزارع يصارع الفقر والجوع حتي إن نسبة الفقر قفزت في المحافظات الزراعية بالصعيد خلال العام الحالي لأكثر من50%. الحكومة تعهدت بتسلم القطن بسعر1200 جنيه للقنطار وتراجعت, تعهدت بتسلم الذرة وتخاذلت ثم فشلت في توفير الأسمدة ومستلزمات الإنتاج الزراعي, فما كان أمام الفلاح إلا أن يشتريها مضطرا من السوق السوداء ب3 أضعاف ثمنها ثم فشلت في توفير السولار وغاز تشغيل الآلات الزراعية وتركت الفلاح فريسة للمتاجرين والمتلاعبين. بالأرقام يمثل الفلاح60% من المجتمع, أي أنه صاحب الأغلبية في هذا الوطن, وبالتاريخ فإنه أول من قاد الاقتصاد المصري وتحكي جدران المعابد كيف كان المصري القديم يزرع القمح ويحصده ويخزنه. هكذا كان الفلاح المصري وهكذا أصبح, إنها كارثة بكل المقاييس تهدد المجتمع بأسره ما لم تتحرك الحكومة لإنقاذ المزارعين وتعيد إليهم حقوقهم وترد إليهم مستحقاتهم فإذا سقط قطاع الزراعة لن تقوم لهذا الوطن قائمة. إن مراجعة السياسات الزراعية تعد ضرورة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, وأعتقد أن التحرك الحكيم الذي يجب اتخاذه من الحكومة هو البدء فورا في شراء المحاصيل الزراعية ولو بالخسارة ووضع سياسة تسويقية واضحة تحافظ علي حقوق المزارعين وتضمن لهم سعرا مناسبا, وهذه ليست بدعة, بل إن جميع دول العالم تدعم وتساند الفلاح لأنه صمام الأمن الغذائي.. فهل نحن فاعلون؟