لم تختلف الحكومة الحالية عن حكومات الحزب الوطني في عدم قدرتها علي حل الأزمات.. فمازال الفلاح المصري يعاني من الوعود الكاذبة والقرارات المتضاربة، وآخرها ما يهدد بتشريد أكثر من مليون أسرة ريفية بسبب رفض الشركات والجمعيات التعاونية شراء محصول القطن هذا العام. فرغم التصريحات البراقة التي أطلقها وزير الزراعة السابق أيمن أبوحديد في 7 يوليو الماضي بأن أسعار القطن لن تقل عن 1800 جنيه للقنطار هذا العام، وأن لجنة تجارة القطن في الداخل ضامنة لتسويق المحصول بالكامل إلا أن أبوحديد ترك الوزارة والفلاح يحلم بسداد ديونه التي اقترضها من جراء زراعة القطن. وبعد تولي صلاح يوسف وزارة الزراعة أعلن في 18 أغسطس الماضي أن أسعار القطن لن تقل عن 1400 جنيه لنوع جيزة 88، وأن الهدف من رفع الأسعار النهوض بالفلاح وتشجيع زراعة الأقطان لتغطية الصناعات المحلية. قام المزارعون بجني محصولهم الذي بلغ 3 ملايين قنطار من 526 ألف فدان، ووضعوه في مخازنهم ليقعوا ضحية للحكومة وللشركات التي امتنعت عن استلام القطن بسبب رفض البنوك تمويلها. ليخرج الوزير معلناً في 10 أكتوبر أن بنك التنمية والائتمان الزراعي سيمول الشركات والجمعيات التعاونية لشراء المحصول من المزارعين دون بوادر تنفيذ علي أرض الواقع. «الوفد الأسبوعي» ذهبت إلي كفر الشيخ ثاني أكبر المحافظات في زراعة القطن، حيث تبلغ المساحات المزروعة بالقطن 135 ألف فدان واستمعت إلي شكاوي المزارعين وأصحاب مجمعات القطن. «لن أزرع القطن مرة ثانية بسبب السياسة الفاشلة للحكومة».. بهذه الكلمات بدأ عبدالله إبراهيم. مضيفاً.. منذ أربعة شهور أعلنت وزارة الزراعة أن القطن لن يقل سعره عن 1800 جنيه، وبعد فترة أعلنت أن السعر العالمي للقطن هو ألف جنيه للقنطار، ولكن الدولة ستدعمه بنحو 200 جنيه، والقطن الآن مكدس، وتجار السوق السوداء يشترونه بسعر 800 جنيه فقط لعدم وجود جهة تدافع عن الفلاح. نزلنا الأرض وسط أنفار جمع القطن.. وسألنا صاحب الأرض أحمد أبوالنور عن مشاكل التسويق فقال: يومية عامل جمع القطن 35 جنيها، والقنطار يحصده 12 عاملاً أي أنني أدفع نصف ثمن القطن للجني بخلاف المبيدات والأسمدة والحرث وتجهيز الأرض فضلاً عن حق المزارع في الربع.. لقد خربت بيوتنا هذه الزرعة. وأضاف: زرعت القطن هذا العام حتي لا أخالف الدورة الزراعية والعام القادم لن أزرع القطن حتي ولو حرروا لنا مئات المحاضر، فالحكومة شردت الفلاحين وأسرهم وأصحبنا تجارة مربحة لتجار السوق السوداء. عندما يشرد مالك الأرض فماذا يفعل المستأجر.. هكذا بدأ إبراهيم عبدالسلام مزارع مستأجر حديثه قائلاً: استأجرت فدانين مقابل ربع الإنتاج واتحمل ربع مصاريف مستلزمات للإنتاج والجني والري والعمالة. وأضاف: محصول هذا العام بلغ 12 قنطارا نصيبي ثلائة قناطير لن تسدد ما تحمملته من مصاريف، والأدهي من ذلك أن الجمعيات التعاونية والتجار والشركات رفضت شراء القطن، فماذا نفعل «موت وخراب ديار». محمد رزق أحد المزارعين يؤكد أن تجار السوق السوداء يحددون الأسعار وفقاً لأهوائهم، قائلاً: الحكومة تركتنا صيدا سهلاً لهؤلاء. وأضاف: أمتلك فدانا زرعته قطناً وسعدت كثيراً بإعلان الوزارة في يوليو الماضي عن تحديد سعر القطن ب 1800 جنيه لتغطية الصناعات المحلية حيث اعتقدت أن هذه الحكومة تعمل لصالح الفلاح، ولكني فوجئت بالحقيقة المرة أن ما حدث مجرد كلام، والأزمة موجودة والفلاح هو الضحية، وعندما لا يستطيع وزير حل مشكلة توريد القطن فعليه أن يستقيل. أحمد عبدالونيس أحد المزارعين يقول: استأجرت فدانا بسعر ستة آلاف جنيه لمدة عام وبعد جني القطن وحساب المصاريف لم أحصل إلا علي 300 جنيه فالأرض تخسر وأعتقد أن الفلاح لن يزرع القطن ثانية مهما حدث. جميل الفقي أحد أصحاب حلقات القطن وسألناه عن أزمة التوريد، أجاب: مندوب شركة كفر الزيات لتجارة وتصدير الأقطان، أنني أعمل بمرتب شهري من الشركة وعملي شراء القطن من التجار وصغار المزارعين لصالح الشركة، ولم تحدث كارثة كالتي نمر بها الآن طوال السنوات الماضية. وأضاف قررت الشركة فتح باب استلام الأقطان منذ بداية شهر أكتوبر الجاري وحددت سعر الشراء ب 1170 جنيه، وبدأت في تجميع القطن بالحلقة وتعهدت للتجار بسداد الثمن فور وصول الأموال من الشركة «ضمان شخصي» إلا أنه وفي 18 أكتوبر الجاري رفضت الشركة استلام القطن نهائياً وأغلقت أبوابها أمام مندوبيها. ومضي الفقي قائلاً: بعد رفض الشركة استلام القطن حدثت مشاكل بيني وبين التجار حيث يطالبونني بثمن القطن، فعرضت عليهم رد القطن فرفضوا. موضحا أن الحكومة باعت الفلاح. ساهر المليطي مندوب إحدي شركات تجارة الأقطان بالإسكندرية يقول: بعد رفض الشركات استلام المحصول حاولنا توريده لدي فروع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي التي فتحت باب التوريد منذ أول أكتوبر الجاري، ولكنها اشترطت لقبول القطن: أن يكون المزارع له حيازة تابعة للإصلاح الزراعي، وأن لا تزيد كمية التوريد عن ستة قناطير للفدان، فاضطررت لتوريد القطن علي بطاقات الحائزين بالإصلاح الزراعي بسعر 1300 جنيه للقنطار، ولكن فوجئت بموظفي الإصلاح الزراعي يخفضون السعر إلي 1200 جنيه كما رفضوا استلام القطن من غير أصحاب الحيازات التابعة لهم والتي لا تتعدي 60 حيازة فقط. !