لسنا في فلسطين, وتلك القرية الصغيرة بقليوب ليست قطاع غزة أو أفغانستان أو حتي العراق والجولان.. وهؤلاء ليسوا أطفال المقاومة, أو اعضاء تنظيم القاعدة ولاحتي انتحاريي العراق ومقاتلي حزب الله. إنها فقط كوم السمن القرية الصغيرة الفقيرة في ملامحها وتضاريسها وبشرها الغنية بمعلوماتها وأزماتها وكوارثها. وهؤلاء هم أطفالها بعد الانفلات الأمني المبرر منه وغير المبرر وكله في الحقيقة غير مبرر. الصدمة كبيرة, والأمن في سابع نومة والمشهد جلي في وضح النهار.. أطفال كوم السمن يحملون السلاح في الشوارع دون خوف أو رهبة بل يوجهونه تارة إلي السماء علي طريقة ثوار ليبيا لحظة النصر وتارة إلي صدور المارة وتعتلي وجوههم ابتسامة مع مشاعر الخوف البادية علي وجوه الآخرين, يبتسمون ببراءة الأطفال وكأنهم يلعبون عسكر وحرامية الأهرام المسائي تدخل كوم السمن لتنقل الواقع وتفسر حقيقة المشهد وتفتح ملف تجار سلاحkg2 عبر السطور التالية.. كوم السمن البلد دي.. مافيهاش حكومة ما إن امتطي فريقنا الطريق إلي كوم السمن حتي أجمع الآخرون علي خطورة تلك الرحلة حتي سائقنا الذي بادرنا بالقول ربنا يستر يا أساتذة البلد دي كلها مخدرات وقلق ولا أنسي ماحدث مع سيارة الأهرام ومحررها منذ أقل من شهر واحد فقد قام بلطجية القرية بالتعدي عليه وعلي السائق والمصور واحتجزوا السيارة بعد أن اكتشفوا طبيعة عملهم كصحفيين وهدفهم من اقتحام القرية لرصد مايحدث بداخلها. طمأنتنا كلمات سائقنا بأننا في طريقنا إلي وليمة صحفية استقصائية ضخمة فيها مالذ وطاب من الصور والخفايا والمعلومات والمغامرات, وزاد من اطمئناننا تعليقات المارة بالطريق الزراعي والذين كنا نستفسر منهم عن الطريق المؤدي للقرية بين الحين والآخر لتأتينا تحذيراتهم وانتوا إيه اللي يوديكوا كوم السمن ياولاد, البلد دي لبش وانوا معاكم بنات. وبعد مرور مايقارب الساعة والنصف, كنا علي مشارف كوم السمن بقليوب, والحق كانت العيون تستقبلنا قبل الشفاه والنظرات المتوجسة قبل الكلمات المحذرة, وكان رفع عدسة الكاميرا في وجه أي شخص أشبه برفع فوهة بندقية فمن الصعب ألا يلاحظوا وجود الكاميرا وكل من يمر منهم يدس رأسه بلا استئذان داخل السيارة ليستفسر عن وجودنا. مكالمة تليفونية سريعة أجريناها لمرافقنا ومفتاح دخولنا الي القرية وهو شاب جامعي يدعي م.ع قدمنا للقرية قائلا أساتذتي بالكلية جاءوا لعمل بحث مهم سيفيد القرية, والحق لم تستسغ القرية منه هذا التفسير جولة ومع استقلاله سيارتنا سألنا مرافقنا إلي أين سنذهب ومن أين نبدأ؟ فرد باقتضاب وأشار إلي سائقنا, فقط استكمل السير في شوارع القرية لنكتشف بأنفسنا ماذا يحدث وبعدها سنذهب الي المنزل لنقابل بعض المصادر, استسلمنا لرغبنته وهو الوحيد القادر علي إخراجنا من بوابات القرية لنعود إلي القاهرة سالمين. ولم تكد سيارتنا تستكمل طريقها حتي بدأت المشاهد تظهر تباعا. القرية حقا فقيرة ونساؤها عن بكره.. أبيهن اتخذن وضعية الجلوس أمام بوابات المنازل أو كما يسمي هنا الدوار وفضل لرغبته أن يقمن بتحويل بوابة الدوار إلي مشروع تجاري فبعثرت إحداهن بعض اكياس المناديل وأخري كراتين الحلوي واكتفي بعضهن ب الدوم والحرنكش أما الرجال فغابوا عن المشهد إلا بعض المارة وآخر اعترض طريقنا وطريق السيارات جميعا بوضعه ترابيزة وصندوق خشبي في وسط الطريق تماما وكتب علي الصندوق تبرعات بينما أمسك احد مساعديه بميكروفون ليخطب قائلا تبرعوا لبناء مسجد, وآثار دهشتنا توكتوك كوم السمن العجيب فالجميع هنا يرتاد سيارات جيب من موديل الستينات كمواصلة داخلية في القرية والعجب لم يكن لتاريخ صنع السيارة فحسب بل لطريقة استقلال السيارة فقد امتلأت مقاعدها الداخلية فامتطي الركاب جسدها الحديدي من كل جهة السقف والكابوت والأبواب. ولكن المشهد الأكثر إثارة لدهشتنا وحيرتنا وربما قلقنا للحظة هو هؤلاء الأطفال الذين يجوبون الشوارع ويحملون سلاحا آليا يبدو من تفاصيله أنه حقيقي. استمرت رحلتنا عبر شوارع القرية الي ان قابلنا طفلا آخر وفي يده سلاح آلي يلهو به مع شقيقته الصغري, أقتربنا اكثر محاولين التقاط بعض الصور حتي لاحظنا الفتي ليصيح في وجهنا بفوهة سلاحه انتوا بتعملوا ايه ياعم؟! فأجبناه علي الفور ودون تردد إنت اللي بتعمل ايه؟! وإيه اللي في ايدك ده؟ ولم تلق ابتساماتنا إعجابه بل أثارت غضبه جزاء حديثنا إليه ك طفل ليجيب وانتوا مالكم!ده السلاح الآلي بتاعي. بادرناه وشاريه منين السلاح الآلي بتاعك فأجاب دون تردد من واحد صاحبي هنا قاطعنا وصلة الفخر والاعتزاز بالسلاح لنطلب منه اقتيادنا الي صديقه صانع السلاح قائلين طيب عايزين نشتري سلاح إحنا كمان ممكن تدلنا علي صاحبك؟ وهنا استسلم لحماسه ولم يرفض طلبنا فعلق قائلا طيب هاتصل بيه الأول, وبعد دقيقة ترك سلاحه بيد شقيقته ليستقل معنا السيارة وتبدأ رحلتنا إلي أصغر تاجر سلاح بمصر بجملة الطفل حين أشار لسائقنا قائلا أدخل اليمين الجاي يا أسطي!!. تجار سلاح فيKG2 طفلان صغيران لا يتعدي عمر كل منها الرابعة عشرة, كانا وسيلتنا للحصول علي سلاح في كوم السمن..وهكذا كان يحدثنا حامل السلاح الصغير الذي ترك رشاشه الآلي مع شقيقته الصغري, وقبل أن نصل الي مكان لقائنا بديلر السلاح أقنعه مرافقنا بأن يستضيفه وزملاءه في منزله وكان لنا ما اردنا فبعد لحظات كنا في استقبال اصغر تجار للسلاح في مصر وهم يحملون عينة من البضاعة معتقدين أننا زبائن أو كما اشاع مرافقنا دكاترة جامعة ونريد عمل بحث, ولكن الحقيقة أن الاهرام المسائي في ضيافة أصغر ديلر عبر السطور التالية كان علينا أن نبتعد قليلا عن فكرة شراء السلاح وكوننا زبائن لأنها لن تسمح لنا إلا بسؤال واحد بكام حتة السلاح؟, ولهذا اقنعنا الطفلين أننا بالفعل دكاترة جامعة ونريد عمل بحث, وبهذه المقدمة أمتعضا وبدا بعض القلق يظهر علي ملامحهما لكن ذلك لم يمنعنا من سؤالهما.. بكام بقي حتة السلاح؟ ليجيبنا الطفل الأصغرالكلاشينكوف ب200 جنيه والامريكي ب250 جنيه, وكانت الاجابة كفيلة بصعقنا واصابتنا بالذهول والشلل التام.. ولم ينتظر الطفلان سؤالنا التالي ليستكملا الحديث السلاح ده مصنوع يدويا وهو لا يطلق النار لكن الفكرة في انه مطابق تماما في صناعته للسلاح الحقيقي والمنتشر في كوم السمن والحزنية والجعافرة, والحق هناك الكثير من البلطجية والمجرمين يتلهفون علي شراء مثل تلك الأسلحة المزيفة لأنها توفر كثير من المال عليهم ولكن لا يمكنهم الاستغناء عن السلاح الحي الحقيقي. لجنة شعبية هدأت اجابتهم بعض تخوفاتنا فأمسكنا بالسلاحين اللذين أحضراهما لنفحصهما والحق كانا صورة طبق الاصل من السلاح الحقيقي, فطلبنا تفسيرهما لفكرة صناعتهما للسلاح من الاصل ليجيب الفتي الأكبر قائلا الموضوع بدأ مع الانفلات الامني وقت الثورة وفتح السجون وهروب المساجين فكانت كل قرية تقوم بعمل لجان شعبية لحمايتها وكنا نري أهالي وشباب قريتنا يخرجون بالسلاح في الطرق والشوارع ويستوقفون كل المارة للتحقق من هويتهم ولتفتيش سياراتهم, وكنا نساعدهم في تلك العملية وبعد يومين من فتح السجون ومع بداية هجمات البلطجية علي كوم السمن بدأنا نفكر في حمل السلاح كغيرنا من الموجودين باللجنة الشعبية لكن لم يسمح لنا أحد بذلك فقمنا وبمساعدة أحد أصدقائنا بتحميل صور الاسلحة التي نعرف أسماءها جيدا وهي الكلاشينكوف والاوزي والامريكاني والمقروطة ثم صعدنا الي احد الاسطح وبدأنا نفكر في صناعة اسلحة تشبههم, وبعد يومين قمنا بعمل أول سلاح كلاشينكوف مزيف. رعب ويستكمل وقررنا أن نقف في اللجان الشعبية القريبة من منازلنا بالسلاح المزيف والحق صدق الجميع أننا نحمل السلاح فهرول الشباب الينا وهم يصرخون جبتوا منين السلاح ده و ايه اللي مخليكم شايلينه وبمجرد أن امسكوا بالسلاح طلبوا منا صناعة غيره. هنا بادرناه وكيف استقبل المارة هذا المشهد.. طفلان يحملان السلاح في لجنة شعبية, فأجاب كان الجميع يبدو مرعوبا من هذا المشهد فبعض السيارات كانت تقف أمامنا ويخرج سائقوها ليقولوا.. ما تأذوناش وخدوا اللي انتوا عاوزينه معتقدين أننا بلطجية فكنا نتركهم بعد تفتيش السيارات, والبعض الاخر كان يزيد من سرعة سيارته وكنا نستوقفهم بمساعدة اللجان الشعبية لنتبين من هويتهم وبعضهم كان من البلطجية. بلطجية انتهت لجان الحماية الشعبية, اذن لا حاجة لصناعة المزيد من الاسلحة ولا حاجة لسير الاطفال في شوراع القرية وهم يحملون السلاح.. هكذا حدثناهم ليعترضا قائلين بالعكس تماما مع نهاية اللجان الشعبية بدأ البلطجية ينظمون انفسهم والوضع هنا في كوم اسمن أفضل بكثير من قريتي الحزينية والجعافرة فالاطفال هناك يحملون السلاح الحي ويلعبون بمظروف الفارغ الطلقات والبلطجية يسيرون في الشوارع عيني عينك ولا أحد يرد أو يسأل سوي بالسلاح, أما هنا فلا ورغم ان البلطجية ينظمون انفسهم هنا ايضا ويبيعون المخدرات فإن الوضع أفضل, كما ان العديد من اصدقائنا يطلبون شراء السلاح الذي نقوم بصناعته ورأينا بعضا منه في يد البلطجية وتأكدنا أنه من صنعنا. مافيش حكومة أين الحكومة هكذا كان سؤالنا ليجيبا مافيش حكومة بتنزل هنا, والذي دفعنا لصناعة السلاح المزيف هو كثرة السلاح الموجود بالفعل في ايدي البلطجية وتجار المخدرات والهاربين من السجون, فبادرناهم وكيف تصنعون السلاح؟ فأجاب الصبي الاكبر نقوم بشراء قطع خشبية لصناعة الجسد ونضع ترباس بدلأ من ابرة شد الاجزاء ثم نضع ماسورة كفوهة للسلاح ونلحم بها مشبك غسيل حديدي في المقدمة كسن نملة دبانة وبعد ذلك نقوم بلحم كل الاجزاء وطليها باللون الاسود ونقوم بلف لاصق شريط لحام حولها وفي بعض الحالات نحصل علي خزنة رصاص حقيقية فنضعها أو نقوم بصناعة شبيه لها. تجارة وشطارة هنا بادرناهم قائلين وهل قررتم الاستمرار في صناعة الاسلحة المزيفة رغم علمكم بأنها تصل الي يد البلطجية؟, ليجيب أحدهم سنقوم بصناعة المزيد في الاجازة المدرسية لأننا راضين تماما عما نقوم به وبيع الأسلحة المزيفة في كوم السمن سيكون أفضل بكثير من أي عمل أخر توفره ظروف القرية.. ومع هذه الاجابة تركنا الطفلين وذهبنا وفكرة وحيدة تكاد تفجر رءوسنا وهي أننا لابد وأن نعود الي كوم السمن مرة أخري لزيارة أوكار البلطجية وتجار المخدرات.