الفنانون والمثقفون في هذه الفترة ومع هذه الثورة والحركة الوطنية لم يقدموا ما يليق وما يجب أن يقال في مثل هذه الأحوال وإذا لم يكن الفنانون والمثقفون في خدمة الجمهور والشعب بأكمله وأضيف إليهم المسئولون في أجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية الذين لا يفسحون المجال ويفتحون الأبواب والاستديوهات لتقديم شباب الفنانين والمثقفين بدون أي تعقيدات إدارية وهذا ما أعرفه ويعرفه أبناء جيلي فلم يطلب أحد من المسئولين في الاذاعة في ثورة يوليو سنة1952 بل تقديم المؤلفين والملحنين والمطربين وقدموا احساسهم ومشاعرهم بدون أي أوامر أو تعليمات وكان الاذاعيون علي مستوي المسئولية واستمع الجمهور بأغاني ذات احساس صادق مطرب شعبي يقول( م خلاص اتعدلت والحالة اتبدلت) انه المطرب أحمد عبد الله وفي نفس الوقت يخرج لنا المطرب محمد قنديل( ع الدوار راديو بلدنا فيه أخبار)( يا اللي في قاعة يا اللي في خص قوم الساعة تمانية ونص) موعد نشرة الأخبار وثالثهم الموسيقار مدحت عاصم والمطربة ليلي مراد أغنية( بالإتحاد والنظام والعمل) وهو الشعار الذي كان ينادي به الرئيس محمد نجيب كل هذا في الفترة الأولي أو الشهور الأولي من الثورة وقامت أم كلثوم وعبد الوهاب وفايدة كامل وعبد الحليم حافظ بتقديم أروع الأغاني ذات المستوي الرفيع في الكلمة واللحن والاداء وكان هذا سببا رئيسيا في دعم الثورة ونجاحها وظهور مثقفين وشعراء أمثال أحمد شفيق كامل وصلاح جاهين وملحنين أمثال كمال الطويل ومحمد الموجي وبعد مرور أربع سنوات من الثورة قامت أزمة العدوان الثلاثي( فرنسا وانجلترا واسرائيل) وانفجر بركان الفن واندفع المثقفون والفنانون إلي استديوهات الاذاعة يقدمون شعورهم واحساسهم لدعم الموقف وأذكر علي سبيل المثال وكنت في بداية احترافي العمل الموسيقي سنة1956 ان الموسيقيين والكورال وبعض المؤلفين والملحنين كانوا يجلسون علي مقهي أمام الاذاعة في شارع علوي( مكان البنك الأهلي حاليا) علي استعداد تام لأي عمل بأجر أو بدون أجر وفي اليوم الثالث أو الرابع من العدوان شاهدنا الملحن الكبير محمود الشريف وهو يصعد سلم الاذاعة ذاهبا إلي استديو( واحد) وكان الموسيقيون والكورال في انتظاره وبعد حوالي ربع ساعة أطلقت صفارة الانذار وأصبح ممنوعا الدخول أو الخروج من المبني وفي هذه الاثناء حضر المطرب كارم محمود وجلس علي المقهي حتي تنتهي الغارة وبعد انتهاء الغارة صعد كارم محمود وبعض الموسيقيين فوجدوا أن التسجيل قد تم بالموسيقيين والكورال الموجودين في الاستديو وأن المسئول أخذ الشريط وذهب لإذاعته فورا وكان هو نشيد( الله أكبر) الله أكبر فوق كيد المعتدي وكان من أقوي الأناشيد الوطنية لأنه تم بانفعال صادق واحساس قوي فرضته اللحظة. حتي أن الجمهورية الليبية اتخذته سلاما جمهوريا لها. وأنا لاأريد أن أعاير أو أقارن بين هذا الجيل والجيل السابق ولكن أريد أن أقول لهم( من عرف تاريخ من قبله أضاف عمرا إلي عمره) ونحن منتظرون حتي يتحرك المثقفون أو حتي من يدعون الثقافة وكذلك الفنانون من أبناء المهن الموسيقية( مطربين وملحنين وكورال) والمؤلفون أصحاب الكلمة أن يكونوا علي مستوي الحدث وتكون أعمالهم موازية ومتساوية في الصدق والاحساس والخروج من مستنقع الأغاني الهابطة والتي كانت تصاحب عصر الفساد والهبوط السياسي والأخلاقي ويستمعون إلي أم كلثوم وهي تقول( وما استعصي علي قوم منال إذا الاقدام كان لهم ركابا) يا ايها الاذاعيون والمثقفون والفنانون لا تخافوا لأن الخوف أكبر أعداء الإنسان افتحوا الأبواب والاستديوهات ولا تخافوا من الخطأ لأنه من خاف أن يخطيء لا يحقق شيئا من الفن والثقافة لا تنتظر الأوامر والتعليمات. والله ولي التوفيق