حضارة الشعوب تبدأ من احساسها بالأمن.. والأمن القومي هو الدرع الأول لضمان تقدم الشعوب والاستقرار.. هكذا فهم العالم ذلك في وقت الحروب وفي أوقات السلام التي هي أزمنة أخطر من أزمنة الحروب.. كيف نشعر بالأمن القومي وكيف ندعمه. منذ فترة ليست بعيدة عقدت مكتبة الاسكندرية دراسات حول هذا الموضوع. وعاد الأستاذ جلال نصار مدير تحرير الأهرام ويكلي ودار الحديث حول المؤتمر.. قال: الأمن القومي تأمين كيان الدولة ضد الاخطار التي تتهددها داخليا وخارجيا وتأمين مصالحها.. وتوفير الظروف المناسبة اقتصاديا واجتماعيا لتحقيق الأهداف والغايات التي تعبر عن الرضا العام في المجتمع. إن هذا المفهوم يركز علي ثلاثة أعمدة رئيسية هي حماية الكيان والمجتمع ووحدة الاقليم والحفاظ علي الكيان الاجتماعي مثل الهوية والمواطنة ومواجهة الاخطار.. بل ويلاحظ أن هذا التأمين قد يكون لمواجهة الاخطار الداخلية والخارجية.. وقد يكون من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنمية الأجتماعية.. إلي حد المشاركة السياسية. من ناحية أخري أمامي دراسة دكتوراة في فلسفة العلوم السياسية عنوانها شديد الاثارة يقول: الأمن القومي المصري في إدراكات القيادة السياسية مع دراسة مقارنة بين عبدالناصر والسادات ومبارك أعدها الدكتور جميل جورجي عام1998. الأمن القومي عنده يشمل الأمن الغذائي والأمن المائي وأمن حدود الدولة والحفاظ علي سيادتها وهذا هو العمود الأول للأمن القومي واكثرها وضوحا.. وهنا تظهر أهمية عوامل القوة المادية والعسكرية وتفوقها في العتاد والقوات.. وقد يعترض الأمن القومي مصادر قد تكون اقتصادية مثل الركود الاقتصادي وما يتبعه من مشاكل البطالة والتضخم وارتفاع الأسعار وتدني مستوي المعيشة وفي مستوي التعليم وزيادة معدلات الفقر وقد تكون مصادر التهديد اجتماعية مثل انتشار قيم وعادات هدامة ومثل ارتفاع معدل الجرائم الاجتماعية والانحراف السلوكي وانتشار المخدرات. إن الإدراك هو النقطة الأولي لتحديد الدور الرئيسي من مصادر التهديد وهي التي بدورها عادة ما تكون ثابتة.. أما المتغير فهو أولويات مصادر التهديد. والعوامل التي تؤثر فيها هي عوامل التنشئة السياسية والاجتماعية.. هذه النقطة تنعكس علي نحو ملموس علي الكيفية أو الوسيلة أو شكل الحركة والتصرف والقرار الذي تعالج به القيادة السياسية المشكلة. في عهد الرئيس عبدالناصر.. لقد اتسم حكمه بالعنف ضد الاستعمار وسيطر علي سلوكه في الحفاظ علي الأمن القومي داخليا وخارجيا.. ويرجع هذا بالاساس إلي التنشئة الأولي في حياته.. وكيف تولد ذلك الشعور بالاغتراب لديه منذ وفاة والده.. ولد الاغتراب هذا في نفسه شعورا بأن الشعب المصري في عصره يعيش في غربة فجاء بالفلاح وأنصفه.. ثم العامل وأنصفه حتي لايشعران بالغربة في بلادهما والمستعمر البريطاني له كل شيء في بلاده.. البيت الكبير.. الوطن.. شعور بالغربة نتيجة الممارسات التي يمارسها الاستعمار واعوانه واساءة معاملة ابناء البلد.. وامتصاص دمائهم. وترجع للتنشئة الأولي للرئيس أنور السادات نظرته للأمن القومي.. ويقول الدكتور جميل: إنه يمكن تفسير قرار الرئيس السادات بزيارة القدس الذي جاء علي نحو يتسم بالمغامرة إلي روح المغامرة في حياته الأولي وكيف تولد الشعور بالمغامرة وتشبعه بوطنية خاله الذي يعتبر مثله الأعلي في الكفاح وظهور روح المغامرة مبكرا في حياته الأولي عندما كان في القرية التي تجسدت في اختطاف طائرة للهروب مع ضابطين من سلاح الطيران مع اللواء المعروف عزيز المصري وذلك للذهاب إلي ألمانيا.. وأيضا اتهامه في مقتل الوزير المعروف أمين باشا عثمان. وكان رجل انجلترا في مصر آنذاك..!! بل وكانت البيئة الداخلية في زمن الرئيس السادات محل اهتمامه بالأمن القومي وتحديد مصادر التهديد من احداث وتطورات علي المستوي الداخلي. أما بالنسبة للبيئة الخارجية فإن الرئيس السادات يأتي في المرتبة الأولي, حيث بلغت45.6% يليه عبدالناصر29% ثم الرئيس حسني مبارك25.4%( ملحوظة الدكتوراه اعدت عام1998. وترجع نسبة السادات المرتفعة نتيجة الظروف الخارجية في أعقاب حرب اكتوبر.. وفي عهد عبدالناصر نتيجة الظروف التي نشأ عليها والتي اتسمت بتصاعد عدائه مع القوي الخارجية الاستعمارية. أما الرئيس حسني مبارك فقد اتبع سياسة متوازنة أي أنه حاول أن يوازن ما بين اهتمامه بالبيئة الاقليمية وكذا البيئة الخارجية. هذه الدراسة توصلنا إلي أن من نتائج التحليل غلبة البعد العسكري في أدوات تحقيق سياسة الأمن القومي علي مستوي القيادات الثلاثة لقد تغلبت الإدارة العسكرية علي ما عداها من الأدوات الأخري التقليدية للأمن القومي المصري الدبلوماسي والاقتصادي.. وذلك منذ وصلت في الفترة التي اعقبت الاستقلال في عهد الرئيس عبدالناصر إلي58% بينما انخفضت لدي الرئيس انور السادات والرئيس حسني مبارك في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة الأداة الدبلوماسية لدي كل من الرئيس السادات والرئيس حسني مبارك, حيث وصلت إلي59% بالنسبة للأول و60% بالنسبة للثاني. إن ذلك يؤكد التطابق بين النتائج التي أسفر عنها التحليل الكمي في وقت البحث. الأمن القومي.. أرض.. جغرافيا.. إنسان: له قيمة يصنع التاريخ عقيدة متسامحة ووطن واحد. أمن الدولة أصبح احساسا لو احسن تعليمه للجميع فهو بمثابة محو الأمية السياسية! مفهوم الأمن القومي وأمن الدولة مستقبل وطن.