قد يثير عنوان هذا المقال حنق فريقين من الكارهين لثورة23 يوليو1952 اولهما يري ان تسمية23 يوليو ثورة خطأ, والصواب عندهم هو تسميتها بانقلاب قام به بعض العسكر, وثانيهما كاره لشخص الزعيم الراحل الحاضر الغائب جمال عبدالناصر لبعض الاسباب سوف يأتي ذكرها في هذه السطور, وقد يضيق الفريقان من عنوان المقال باعتبار ان نظام حكم مبارك ومن قبله السادات هو امتداد لحكم العسكر وبالتالي لايجب الربط بين25 يناير و23 يوليو. وللرد علي هذين الفريقين أو حتي فرق اخري تسير علي النهج نفسه فهذا يتطلب التحلي برحابة صدر وسعة أفق لمناقشة اصحاب هذا الرأي, وبادئ ذي بدء نذكر ان بين ثورتي يوليو ويناير فارقا يبلع ثمانية وخمسين عاما ونصف العام. اذكر ذلك حتي نأخذ كلا من الثورتين في سياقها الزمني ولا اعني به التاريخ فقط وانما البيئة والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في ذلك التاريخ, وبإطلالة سريعة علي مصر قبل23 يوليو1952 نري أنها كانت لاتزال تقع تحت وطأة الاحتلال البريطاني الذي دام من عام1882 وحتي قيام الثورة فضلا عن نظام ملكي فاسد حاول التليفزيون المصري أو الكارهون لثورة23 يوليو وعبدالناصر تجميل هذا العهد تارة بتقديم مسلسل عن الملك فاروق اخر ملوك مصر, ويجعل البعض يترحم عليه وعلي ايامه! وتارة بعمل لقاءات في برامج تليفزيونية وفضائية مع ابنة فاروق قبل وفاتها رحمها الله. اما عن الظروف الاجتماعية فحدث ولاحرج وهذا ليس كلاما مرسلا بل هو الحقيقة بعينها شعب يعاني من ثالوث الموت والتخلف, الجهل والفقر والمرض.. مجتمع يمكن ان نطلق عليه مجتمع السادة والعبيد.. اناس يمشون حفاة في شوارع القاهرة! قناة السويس التي فقدت اثناء حفرها ارواح كثير من المصريين كان يسيطر عليها المحتل لا المصريون.. جيش ضعيف.. تصارع اصحاب المال والنفوذ علي تشكيل حكومات لاعلي رأس الحكم.. غياب تام للعدالة الاجتماعية.. هذه مجمل الأوضاع التي كانت تعيشها مصر والمصريون قبل23 يوليو52 ولايمكن ان ننكر ان هناك نماذج لرأسمالية وطنية والمثال الأشهر هو طلعت حرب ولكن لايمكن ايضا لنموذج أو أكثر للرأسمالية الوطنية ان يبني دولة, ويقيم عدالة اجتماعية في ظل غياب ارادة سياسية, ودولة يتحكم في ارادتها فرد من الاحتلال. اذا الأوضاع التي كان يعيشها المصريون انذاك تحتاج إلي القيام بثورة والثورة هنا مضاعفة القوة ولايمكن ان تحدث عبر مظاهرات سلمية في ظل هذه الظروف وانما تحتاج إلي سلاح لانها ضد محتل وضد نظام حكم ملكي فاسد, ولما لم يقم الشعب بثورة اثناء تلك الظروف التي كان يمر بها ثار ضباط من الجيش يشاهدون ما آل إليه حال المصريين ويرقبون علي الجانب الآخر العدو الذي زرعته القوي الاستعمارية داخل الجسد العربي وهو الكياني الصهيوني, وعلي اثر ذلك قام هؤلاء الضباط الاحرار من ابناء الشعب المصري بتشكيل تنظيمهم إلي ان جاءت ليلة23 يوليو بثورة باركها الشعب المصري فحددت اهدافا ستة ثلاثة منها قضاء وثلاثة بناء أو اقامة كما كنا نتعلمها في مدارسنا. فأما القضاء فهي القضاء علي الاستعمار واعوانه, القضاء علي الفقر والجهل والمرض, والقضاء علي الاقطاع وسيطرة رأس المال علي الحكم, اما البناء أو الاقامة فهي بناء جيش وطني قوي, اقامة عدالة اجتماعية, اقامة حياة ديمقراطية سليمة. واجتهدت الثورة وعبدالناصر في تحقيق تلك الأهداف وتحقق الكثير واخفقت في القليل منها وهنا يطل علينا الفريق الكاره لشخص عبدالناصر لانه في ظل تحقيق الثورة لاهدافها منهم من تعرض للتأميم وهناك آخرون أدخلوا السجون. بقي ان نذكر لمن يري ان نظام حكم مبارك هو امتداد لحكم العسكر وهم يقصدون انه امتداد لثورة23 يوليو فإنني أري وهذا رأي شخصي ان عبدالناصر انتهي بوفاته في28 سبتمبر1970 اما السير علي نهج الثورة وعبدالناصر فاستمر في عهد السادات حتي عام1974 حينما بدأ الأخير في التحول إلي المعسكر الرأسمالي, وارتمي في احضان امريكا وعقد اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني وبدأ في التخسير المتعمد للقطاع العام وتشويهه لصالح صعود القطاع الخاص الاستثماري والتحول إلي النمط الاستهلاكي في ظل سياسة الانفتاح سداح مداح كما اطلق عليها الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الراحل الاستاذ احمد بهاء الدين. ومع تلك السياسات بدأت تتحلل ثورة يوليو شيئا فشيئا من أهدافها وبعد سبعة وثلاثين عاما عاشتها مصر والمصريون مع تلك السياسات المغايرة لمباديء ثورة يوليو منها ثلاثون عاما هي فترة حكم مبارك الذي امضي قبلها بضع سنوات نائبا للرئيس السادات قامت ثورة25 يناير2011 ثورة دعا إليها الشباب وشارك فيها الشعب, وفي هذا الإطار اسوق عبارة جاءت علي لسان صديقي الدكتور يحيي القزاز عن الثورتين حيث قال إن23 يوليو ثورة قام بها الجيش وباركها الشعب أما25 يناير فهي ثورة قام بها الشعب وباركها الجيش, ودعونا نتساءل ماذا كان شعار ثورة الشعب في أول يوم من انطلاقها في25 يناير2011 ؟ كان الشعار عيش حرية عدالة اجتماعية العيش يعني القضاء علي الفقر والحرية هي اقامة حياة ديمقراطية اخفقت فيها ثورة يوليو حياة امنة من بطش جهاز الشرطة وجهاز القمع والقهر الذي كان يسمي بأمن الدولة.. العدالة الاجتماعية هي المطالبة بتحقيق عدالة اجتماعية بعد فقدانها تماما وانتشار الفقر وسيطرة الرأسماليين الجدد علي الحكم واصبح الفقراء عاجزين عن العلاج, ومع استمرار الثورة تصاعدت المطالب برحيل نظام مبارك ووضع دستور جديد للبلاد واصلاح شامل في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك يمكن القول: إن ما تطالب به ثورة25 يناير2011 هو استئناف لما بدأت ونادت به ثورة23 يوليو1952 من اهداف بدأت بوادر التراجع عنها منذ عام1974 حتي اتت علي كل ما حققته تقريبا في سني حكم مبارك. ألا ترون بعد ذلك ان ثورة25 يناير هي امتداد لثورة23 يوليو1952 حيث تستكمل يناير أهداف يوليو وتحقق ما اخفقت فيه لكن يبقي شيء تفتقده ثورة25 يناير ألا وهو ناصر جديد!!