يحمل كثير من الأفغان لشهر مايو من كل عام أهمية خاصة لكونه يعني بداية موسم الحصاد.. حصاد أهم محصول بالنسبة لهم.. إنه الأفيون الذي يعمل بزراعته وتجارته نحو70 % من السكان ويشكل حجم صادرات يتجاوز3 مليارات دولار سنويا. لهذا فإن استقراء عناصر المشهد الأفغاني بكل تعقيداته لاينبغي أن تتجاوز الخلفية الأبرز ممثلة في أشجار الأفيون التي تظهر بلا استحياء جنبا الي جنب مع الدبابات وآليات حلف شمال الأطلسي ومسلحي حركة طالبان وعناصر الجيش الحكومي.. فالكل مستفيد.. رغم سخونة المواجهة.. ويبدو الأمر وكأن هناك اتفاقا غير مكتوب بالتوافق بين مختلف الأطراف علي تنحية الأفيون جانبا وإخراجه من دائرة الصراع. المحصول الأمثل ويبدو الأفيون هو المحصول الأمثل في زمن الحرب حيث الأراضي الأفغانية هنا هي الساحة الأنسب للزراعة والتسويق في ظل رعاية شبه رسمية وغض للطرف من القوي الدولية التي تورطت حتي أذنيها في أفغانستان ولاتريد مزيدا من المشاكل. علي الجانب الاخر يظهر شيوخ طالبان الذين غضوا الطرف ايضا عن تحريم تلك الزراعة التي تمثل رقما اساسيا في تمويل جهادهم ضد القوات الدولية هو نفس المنطق الباحث عن المال بالنسبة لحكومة حامد كرزاي التي تشكو تقاعس المؤسسات الدولية عن تقديم الدعم. وقد بدأت تلك الزراعة عام1979 علي يد الفصائل التي كانت تحارب الاتحاد السوفيتي, وباتت اليوم تشكل90% من الانتاج العالمي من الافيون. شيوخ طالبان وتكفي الإشارة هنا إلي ان ولايتي قندهار وهلمند, وهما ابرز معاقل طالبان تنتجان وحدهما74% من الافيون الافغاني. وتعاني تلك المناطق من ضعف نفوذ السلطات لمصلحة عناصر طالبان الذين يركزون علي تحصيل الضرائب من المزارعين بنسبب تتجاوز20% من المحصول. وفي مقابل ذلك, يؤمن مقاتلو الحركة الحماية للمزارعين من حملات الإتلاف التي قد تشنها السلطات. وبحسب بعض التقديرات الدولية فإن الأفيون يدر علي حركة طالبان بين125 و155 مليون دولار سنويا. ويتوقع مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ارتفاعا كبيرا في زراعة الأفيون في شمال البلاد وشمالها الشرقي, لاسيما في بعض الولايات التي توقفت فيها هذه الزراعة في الآونة الأخيرة والسبب في ذلك يعود الي الارتفاع الكبير في الاسعار, اذ يقدر مكتب الاممالمتحدة هذا الارتفاع بنسبة306% خلال عام. ويعود السبب ايضا الي تفاقم حدة الاضطرابات في هذه المناطق. اللافت ان ماتحصل عليه حركة طالبان الان من أموال من الأفيون اكثر مما كانت تحصل عليها خلال توليها السلطة في تسعينيات القرن الماضي حيث زادت أرباحها لتتجاوز مائتي مليون دولار في العام. وهذا يعني أيضا حسب الأممالمتحدة ان ضلوع طالبان المباشر في تجارة الأفيون يسمح لها بتمويل آلة الحرب التي أصبحت اكثر تعقيدا من الناحية التكنولوجية وأكثر انتشارا. أمراء الحرب ومن أكبر المستفيدين ايضا أمراء الحرب السابقون المتحالفون مع الرئيس حامد كرزاي حيث يرتبط الجميع بشبكة واحدة من المصالح. وقد أصبح أمراء الحرب السابقون من وجهاء البلاد, وبعضهم تقلد مناصب حكومية فهم إما يرعون تجارة المخدرات أو يحمونها من خلال شبكات فساد معقدة, بحسب شبكة أفغان أناليست نيتوورك في كابول. وأفغانستان هي أكبر مصدر للهيروين في العالم بحسب اعترافات المسئولين الأفغان الذين يشيرون الي93% من حجم الهيروين في العالم. ويهرب جزء كبير من هذا الهيروين عبر آسيا الوسطي إلي روسيا ومنها إلي أوروبا مما يزيد مشكلة المخدرات في الأراضي الروسية. وقد جاء في تقرير صدر في فيينا عن مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات ان الافيون الذي مصدره أفغانستان يتسبب في100 الف حالة وفاة علي مستوي العالم سنويا. ويموت للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي تشارك بقوات في أفغانستان أكثر من عشرة آلاف شخص كل عام بسبب الإفراط في تناول جرعات الهيروين. وهذا العدد أكبر خمس مرات من إجمالي عدد جنود الحلف الذين قتلوا في أفغانستان في السنوات الماضية. ولم تخل تفاصيل هذا المشهد من أصابع دولية تحركه وتتحكم به من واشنطن إلي موسكو حتي العاصمة الأفغانية والسلطات المحلية. وقد انتقدت روسيا سياسة الولاياتالمتحدة في مكافحة المخدرات في أفغانستان وقالت إنها تشجع زراعة الأفيون. ويقول فيكتور إيفانون مدير الهيئة الفيدرالية الروسية لمكافحة المخدرات إن تصريحات المسئولين الأمريكيين عن رفضهم القضاء علي مزارع الأفيون, يبدو ضمانا لإفلات منتجي المخدرات من العقاب. وقد تخلت ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما عن تدمير مزارع الأفيون حتي لاتثير غضب فقراء أفغانستان الذين يعملون بزراعة المخدرات والذين يتذرعون بعدم الجدوي الاقتصادية للمحاصيل الاخري. لكن هذه السياسة الجديدة اغضبت روسيا التي تقول ان ثلاثين الف روسي ماتوا في2009 بسبب استهلاكهم الهيروين الافغاني. وهكذا تبدو حدائق الشيطان المنتشرة في طول افغانستان وعرضها بمثابة نموذج علي صعوبة الوضع في هذا البلد وعلي تداخل المصالح الدولية والمحلية ليظهر في المشهد اكبر التناقضات ممثلا في تدين طالبان الذي يصل الي حد يعتبره كثيرون تطرفا وبين هذه التجارة التي يرعاها الشيطان.