بينما وصلت القوات الأمريكية بالتعاون مع قوات حلف شمال الأطلسي الناتو والقوات الأفغانية عمليتهما المشتركة في مدينة مرجة الأفغانية عكست الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي للعاصمة الأفغانية كابول عدة أمور. كان أبرزها هو نجاح العملية الجارية ضد طالبان. وفي هذا الإطار كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن قوات التحالف استطاعت مطاردة مقاتلي طالبان وطردت أغلبهم من مدينة مرجة رغم صعوبة المعارك التي خاضتها هذه القوات في تلك المدينة وكما اتسمت نبرة جيتس بالحذر الشديد، عندما تحدث عن إنجازات حققتها عملية مرجة متوقعا معارك أكثر ضراوة في المرحلة المقبلة أكدت الصحيفة علي أن القادم بكل تأكيد سيكون أصعب لأنه يتعلق بتحد أكبر يتمثل في قيام القوات الأمريكية بالانسحاب تاركة خلفها إدارة أفغانية علي درجة عالية من الكفاءة والأمانة تستطيع من خلالها استعادة ولاء وإخلاص الشعب الأفغاني الذي يؤيد نسبة كبيرة منه حركة طالبان. وأوضحت الصحيفة أن أهمية عملية مرجة ترجع لعدة أسباب من بينها أنها الاختبار الأول للجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان مع استراتيجيته الجديدة التي تقوم علي بناء آليات حكم فعالة في ظل المناطق الحديثة العهد بالأمن بعد إنهاء سيطرة طالبان عليها. كما أن العملية الحالية تعد سيناريو من المتوقع أن يتكرر مرة أخري عندما يقرر ماكريستال التحرك لاستعادة مناطق سكنية أخري سقطت من جديد في قبضة طالبان. وفي الأساس لا تلقي وحشية طالبان وأفكارها البدائية قبولا لدي قطاع عريض من الأفغان غير أن فشل الرئيس الأفغاني حميد كرازي علي مدي الأعوام الماضية في إرساء الأمن بالتعاون مع حلفائه المحليين بخلاف عجزه عن توفير الخدمات الحكومية الأساسية للسكان جعل عشرات الأفغان مغلوبين علي أمرهم إذ لم يعد أمامهم خيار آخر سوي الترحيب مجددا بطالبان. وفي خضم هذه المشاكل التي يواجهها كرازي يتضح أن لب المشكلة يكمن أساسا في الحكم المحلي وبالتحديد قوة الشرطة الوطنية غير المؤهلة والتي اكتسبت سمعة سيئة بعد حوادث الاختلاس والسرقات التي ارتكبها عدد من عناصرها ولهذا فإن الخوف كل الخوف من الخطوة القادمة وبالتحديد عندما تتقدم قوات ماكريستال نحو هدفها التالي بعد مرجة حيث إنه وفي تلك الحالة سوف يتولي مسئولية الأمن المحلي الشرطة الأفغانية بالتعاون مع الجيش الوطني الأفغاني المشهور عنه ارتكاب عمليات نهب واسعة للآثار الموجودة في مرجة بمجرد أن نجحت قوات المارينز الأمريكية في السيطرة عليها. وكانت نفس الصحيفة نقلت في وقت سابق من هذا الأسبوع اجتماعاً عقده اثنان من كبار مسئولي وحدة المارينز الأمريكية مع قاطني مرجة من الأفغان وخلال الاجتماع أكد المواطنون الأفغان علي مساندة قوات المارينز في قتالها ضد طالبان لكنهم اشترطوا عدم الزج بعناصر من الشرطة الأفغانية في هذه المعارك قائلين بالحرف الواحد "إذا تدخلت الشرطة سنقاتلكم حتي الموت" في إشارة واضحة لحالة انعدام الثقة السائدة بين الأفغان وممثلي النظام الحاكم من عناصر الشرطة التي يفترض بها أن تتولي حماية الشعب. وبما أن النهاية المنطقية والحتمية تقتضي أن تتولي الشرطة الوطنية الأفغانية مسئولية إرساء الأمن والنظام في مدينة مرجة وفي كل المدن الأفغانية الأمر الذي لن يحدث علي المستوي المطلوب حتي يتم توفير وإتاحة عناصر من الشرطة الأفغانية مدربة بخلاف وحدات إشرافية تتولي عملية المراقبة ضمانا لعدم حدوث خروقات من جانب عناصر الشرطة نفسها. من ناحيتها تعهدت قيادت عسكرية أمريكية بأن عناصر شرطة مختلفة ويفترض أن تكون أفضل سوف توكل إليها المسئوليات الأمنية بعد دحر طالبان ريثما يتم تجنيد قوة محلية فعالة بعد منحها التدريبات اللازمة فعلي الرغم من الملايين التي أنفقتها واشنطن لشركات خاصة تعمل علي تدريب الشرطة الأفغانية علي مدي السنوات الماضية إلا أن العناصر المؤهلة وعلي درجة عالية من الاحترافية قليلة بأن لم تكن نادرة في أفغانستان في الوقت الراهن. ولهذه الأسباب تدعو الصحيفة إلي أن ترعي واشنطن برنامجاً تدريبياً موسعاً للشرطة الأفغانية ضمن أولوياتها ناهيك عن أن مرجة ومدن أفغانية أخري بحاجة لمدرسين وأطباء ومهندسين وقضاة بخلاف الشرطة. كما أن هذه المدن تحتاج إلي برامج قروية مباشرة حيث إن الاقتصاد في مرجة يقوم أساسا علي زراعة نبات الخشخاش الذي يستخرج منه مخدر الأفيون. وبطبيعة الحال يجب علي واشنطن توفير مصدر دخل آخر للمزارعين حتي تستطيع إقناعهم بتدمير محاصيلهم والتعاون مع حكومة كرازي بدلا من الترحيب بمقاتلي طالبان وإعادة السيناريو مرة أخري.