إذا كان الخالق قد شاء أن يكون هذا الإنسان اجتماعيا بطبعه, حيث تطلب ذلك أن يتكون الجنس البشري من نوعين متكاملين متلازمين في الإنسانية هما الرجل والمرأة. وإذا كان العديد من الدراسات والبحوث قد تناولت المركز القانوني للإنسان بنوعيه وذلك فيما يتصل بما كفلته له المواثيق والإعلانات والمعاهدات الدولية من حقوق وضمانات تحول دون إهدار أدميته, فإن الدراسات والبحوث التي تناولت أوضاع المرأة تكاد تندر إذا ما قورنت بتلك التي تناولت الرجل. فإذا ما توجهنا تلقاء المرأة يكاد يصدمنا ذلك العدم البحثي الذي نعيشه وتعيشه تلك المرأة خلف تلك الجدران القانونية وما يرتبط بها من أزمات تتصل اتصالا مباشرا بالمجتمع. سيما بعد أن طغت المادة علي الحياة, في ظل موجة الغلاء التي تشهدها البلاد والمبالغة في أسعار السلع, مما يضطر المرأة المعلقة في المحاكم أن تعرض جسدها سلعة لمن يدفع أكثر بعد أن تركها زوجها دون أن يمنحها نفقة المتعة أو نفقة للأبناء الصغار. وإذا كانت نسبة المنحرفات تزداد يوما بعد يوم, فإن العامل الأساسي لذلك هو طول أمد التقاضي في الأحوال الشخصية.. فكم من قضايا تستمر أكثر من أربع سنوات سواء لعدم الفصل فيها أو لعدم اهتمام السلطات المختصة بتنفيذ الأحكام الخاصة بذلك. من هذا المنطلق يرتفع مؤشر الجريمة في المجتمع المصري, سواء المخلة بالآداب أو التسول, بالإضافة إلي انتشار ظاهرة أطفال الشوارع. ان كل القوانين تتطور في الدول وفقا للظروف والآليات التي تتغير.. ويجب علي المشرع المصري أن يعيد النظر في القوانين التي عفا عليها الزمن والتي باتت تشكل عبئا كبيرا علي المجتمع.. والتي تخلف وراءها ضحايا أبرياء يدفعون الثمن من قوت أبنائهم. ومن ابرز القوانين التي تحتاج إلي تقنين وإعادة النظر في نصوصها.. قوانين الأحوال الشخصية باعتبارها تحكم الجوانب الشخصية والاجتماعية للناس.. ولعل قوانين الأحوال الشخصية التي تستمر في تقاضيها سنوات طويلة تشجع علي استمرار العداوة بين الأهل والأقارب.. خاصة الزوج وزوجته. وغالبا ما يكون بينهما أطفال صغار هم ضحية هذا العداء لاشك أن الزوجة المطلقة أو التي تقضي وقتا طويلا في المحكمة كي تحصل علي مستحقاتها لدي زوجها ويستمر ذلك سنوات طويلة يولد لديها الإحساس بالكراهية والحقد علي المجتمع.. وقد يولد لديها أيضا عقدة نفسية من أي رجل في المجتمع.. مما قد يؤدي بها أحيانا إلي الإنحراف بدافع الانتقام من هذا المجتمع الذي خذلها فلم يعط لها حقها.. ويجب علي المشرع أن يتنبه لمثل هذه الاشياء قبل أن يستفحل خطرها:- ان قانون العقوبات المصري لا يعاقب علي النصب وإذا سلك النصاب طريقا وهو الإدلاء بأقوال كاذبة فقط دون أن يستخدم مظاهر خارجية, مثال علي ذلك: وهو من يدعي ويقول أنه له القدرة علي السفر دون أن يتخذ في ذلك مظاهر خارجية مثل أن يتخذ مكتبا ويكتب عليه مكتب لإلحاق العمال للخارج, أو أي مظاهر تجعل الضحية تؤمن بصدق كلامه. ان القول فقط لايعد جريمة حتي لو تحصل علي أموال, لأنه ببساطة أن قانون العقوبات المصري لا يعاقب علي الأقوال الكاذبة حتي ولو تحصل علي مال منك. مثال آخر للدجال الذي يدعي القدرة علي تسخير الجان والشفاء من الأمراض. هذا يعد أقوالا فقط, ولو تحصل منك علي أموال لا يعاقب, أما إذا أوهمك بكذبه كاتخاذه مكانا ووضع فيه أشياء تجعلك مهيأ لتصديق أقواله كوضع مبخرة ورسومات تجعلك تشعر بصدق كلامه, فهذه هي المظاهر الخارجية التي يعاقب عليها القانون, أي أن الكلام فقط لايعاقب عليه القانون, حتي لو النصاب استولي علي مال الضحية. أما إذا استخدم مظاهر خارجية ففي هذه الحالة يعاقب عليه القانون, فإلي متي نقول أن القانون لا يحمي المغفلين!. إحذر وأنت تشتري شقة فعليك أن تجعل زوجة صاحب الشقة شاهدة علي العقد, فمن الممكن أن تجد الشرطة تخرجك من الشقة لأن الزوجة في فترة الحضانة ولديها قصر لهذه الصفة تستخرج من النيابة أمر تمكين بالشقة لأنها في فترة حضانة, وأن التعامل كان علي شقة زوجة في فترة الحضانة وبذلك تضيع الشقة منك, بسبب ثغرة في القانون. والحبس الاحتياطي لايعني أن المتهم قد ثبتت عليه الجريمة حتي لو حبس إلي أن أحيل إلي المحكمة الجنائية المختصة, بل علي العكس والكثير قد يحبس حبسا احتياطيا ويأتي أمام محكمة الفصل وتصدر براءته, لكن السؤال ما هو التعويض الذي يناله بعد ما يحبس المتهم ما يقارب الثلاثة أو الستة شهور؟. وهل يكفي تعويضه بنشر البراءة في الصحف واسعة الانتشار؟ فهل يعوضه هذا؟ بالطبع لا, لكن لعدم إمكانية الدولة في دفع تعويضات جعلت هذا التعويض الأدبي مسكنا وليس حلا؟! وحدها هي حكوماتنا العربية التي لم تتنازل عن تلك القوانين البالية والتي لم تستفد من كل تجارب الكون منذ بداية الخليقة وإلي يومنا هذا, تاركة التطور لآلة الزمن يفعل بنا ما يشاء. فإلي متي لا نستطيع ترقيع ثوب القانون حتي يكفل العدالة لجميع مواطنيه؟, حيث في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة المصرية جهودا مضنية للقضاء علي تكدس القضايا في المحاكم, وسد الثغرات الموجودة في بعض القوانين الحالية, وعلي الرغم من إنشاء محكمة الأسرة لسرعة الفصل في قضايا الأحوال الشخصية, إلا أن قضايا المرأة مازالت تقف حر عثرة في طريق المشرع حيث ارتفعت الأصوات المنادية بضرورة إحداث تغيير جذري في قانون الأحوال الشخصية.