يأتي علينا شهر رمضان كل عام, وتكثر فيه الدروس الدينية في المساجد يوميا لتتناول الجوانب المختلفة من العبادات وينتهي, وتبقي المشكلة أننا نري كثيرا من الناس يخرجون من رمضان كما دخلوه دون تغيير, أو تأثيربمضمون الصيام, أو ادراك بالغاية الحقيقية منه. حول الشهر الكريم ونفحاته وكيفية اغتنامه وقضايا أخري تتعلق بالصياموالفتاوي الشاذة علي الفضائياتومواجهة الفكر المتطرف يدور حوارنا مع الداعية الشيخ إسلام النواويعضو لجنة تجديد الخطاب الديني. ما هو الانعكاس السلوكي للعبادة علي الإنسان؟ مواسم العبادة هي خير كبير من رب العالمين وباب رحمة من رحماته بعباده, والصيام واحدة منها, لكن علينا أن نفهم جيدا أن موسم العبادة, ليس يوما أو ليلة, أو شهرا, وإنما هي حالة تحدث بداخل العابد, فلم يكن أحد يتخيل أن عمر بن الخطاب, الذي كان أكره الناس علي قلبه هو رسول الله صلي الله عليه وسلم يتحول ليكون أقرب الأقربين إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم هذا هو المقصود من التعرض للعبادة, لذلك هناك علامة مهمة جدا من علامات قبول الطاعة يغفل عنها الكثير, وهي الانعكاس السلوكي للعبادة, بمعني ماهو التغير الذي أحدثته العبادة في شخصية من قام بها؟, فرسول الله صلي الله عليه وسلم أخبرنا عن أشخاص لاترتفع صلاتهم فوق رأسهم قيد شبر, علي الرغم من أنهم صلوا, لكنهم مازالوا يظلمون الناس, ويتعدون الحدود, وأيضا أخبرنا عن صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش, لأنه لم يأخذ العبرة من صيامه. يعتقد البعض أن الصيام يعني الإمساك عن الطعام والشراب فقط؟ الحالة المعنية من الإمساك عن الطعام والشراب هي حالة أكبر بكثير, لأنك عندما تمسك عن الطعام والشراب وهو الحلال لأن الله أمرك بذلك, فمن باب أولي أن يكون هذا دافعا لك أن تمسك عن الحرام, فمن غير المقبول أن أمسك عن الطعام والشراب, وأقبل الرشوة, أو أتعدي علي حق ليس لي. هناك ما نسميه في العبادات المتممات.. فما متممات عبادة الصيام؟ لكمال عبادة الصيام أو متمماتها يأتي علي رأسها صلة الأرحام, والصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم والتي لاتعني فقط مجرد الصلاة عليه باللسان, وإنما الصلاة عليه بامتثال تعاليمه, كما نجد مقصدا مهما من الصيام نتغافل عنه, وهو أن شهر رمضان يستطيع أن يصلح من القصور الاقتصادي ما لم يستطع الاقتصاديون في العالم أن يصلحوه. في ظل مانعيشه من هجمات فكرية متطرفة وممنهجة, ما الدورالأمثل للداعية أو الواعظ الآن؟ غالبا ماترتبط الدروس والمواعظ بالروحانيات, ولكن في ظل مانعيشه من هجمات فكرية وتطرفية, فإن الوضع يفرض علينا أن نعيد صياغة الفكر بشكل يناسب الواقع, خاصة أن الداعية يفوز في رمضان بإقبال كبير علي المسجد, لأن الناس يجدون أنه من الضروري أن يوجدوا في المساجد في هذا الشهر, وهي فرصة يزيد الداعية فيها من جمهوره. ألا تري أن سماحة الإسلام من خلال شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم تستحق اهتمام الداعية لمواجهة الجماعات المتطرفة؟ نعم, سماحة الإسلام أمر يفرض نفسه بقوة, فكيف كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتعامل مع غيره, سواء كان هذا الغير ليس علي دينه, أو غير ناطق بلغته, أو حيوانا, أو جمادا, فهذا الموضوع من أهم الموضوعات التي لابد أن تطرح في هذا الوقت في رمضان وخارجه, لأن كثيرا من الجماعات المتطرفة أرادت أن تضمن بقاءها وانتشارها بان تصور للآخر أنه عدو, وأنه غير مقبول, وأن الدينهو الذي أمر بذلك, مع أن الواقع غير ذلك, فنجد أن النبي عامل غير المسلمين وتزوج هو وأصحابه من غير المسلمين, وجاور في المدينة غير المسلمين, ومن هنا أستطيع أن أقول إن الداعية يستطيع أن يجعل من نفسه حصن الدفاع الأول عن الإسلام, بما يناقشه من موضوعات يبرز من خلالها عظمة هذا الدين وحقيقته المشوهة عند البعض. ماذا عن التكافل والمشاركة المجتمعية في الإسلام؟ المشاركة المجتمعية والتكافل في الإسلام أمر يجب الاهتمام به, وخاصة في رمضان, لما يشتمل علي وجوه الخير من الإنفاق والبر, ولاننسي حظ الروحانيات في تحفيز الهمم لمواصلة إحياء ليالي رمضان كما أمرنا ديننا, وخاصة ليلة القدر, وأقول إن الله تبارك وتعالي يمهد عباده لكل مواسم الطاعات ففي رمضان نجد له نفحات عظيمة في حياة الإنسان, لذلك سبقه تجهيزات عدة, فمثلا سبقه رجب, وهو من الأشهر الحرم التي يضاعف فيها الأعمال, وسبقه شعبان, بما فيه رفع الأعمال, كل هذه تجهيزات ولكن ربما نجد شخصا لم يتم تجهيزه, فنجده يقول: رمضان جاء فجأة, ويتعلل بالتقصير في هذا الشهر, وأنه لم يستعد. وبما تنصحه؟ عليه أن يبدأ من حيث انتهي, ويقيني أن الله سيقبله, ولايزيد في التقصير والبعد والهجر, لأن الله يريده, عن أبي موسي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, حتي تطلع الشمس من مغربها. ألا تتفق معي في أن شهر رمضان فرصة عظيمة لتسوية الخلافات بين الناس؟ بالتأكيد, هو فرصة عظيمة أيضا لوصل أي قطيعة رحم, خاصة أننا ننظر إلي الخريطة الإيمانية الرمضانية, فنجد في أوقات هذا الشهر نجتمع بشكل دوري, علي صلاة التراويح, فيكون المسجد فرصة عظيمة لتسوية الخلاف, ونجتمع أيضا علي موائد الطعام أيضا فرصة, كما أن الصفاء الذي يحدثه الجو الرمضاني كفيل بأن يجعل النفس تهدأ, فتكون مائلة إلي الصلح أكثر, ولكن في المقابل يجب ألا نجعل شهر رمضان فرصة للشقاق والقطيعة, ربما مع أقرب الناس, علينا أن نكون في هذا الشهر بسطاء, حتي نعطي أنفسنا المناخ المناسب للعبادة, كما أن رمضان فيه من التعاليم المهمة التي علينا أن ننتبه إليها, فعن أبي صالح الزيات, أنه سمع أبا هريرة, يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث, ولا يصخب, فإن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم, فعلينا أن نطبق هذه التعليم النبوي, حتي نعطي أنفسنا تذكرة وهدوء وسكينة إذا ما تملكنا الغضب.