مصر تنهض.. لمن يري ولمن يريد أن يري.. وحين تنهض مصر ينهض معها من زمنها المستمر ماضيها وحاضرها ومستقبلها, تلك الأرواح الخالدة التي سافرت إلي عالم الخلود بعد أن أسهمت في إعمار الأرض.. وتحل هذه الأيام ذكري اثنين من هؤلاء الخالدين هما: أم كلثوم التي خلدت الحب فخلدها وخلدتها مصر والعرب جميعا, وستبقي ما بقي الحب علي الأرض.. والثاني: هو الشاعر الجميل مرسي جميل عزيز, الذي يلقب بجواهرجي الكلمات.. ذلك أنه كان يتفنن في صناعة تلك العقود من الخرز والجواهر التي ما تراها العين وتسمعها الأذن حتي تسحر الرائين والسامعين.. كنت وأنا صبي صغير أشتري كتيبات كانت تطبع وتباع أيامها بقرش واحد وكانت تحتوي كلمات الأغاني لأشهر المطربين وكان العامل المشترك في تأليف كل تلك الكلمات شديدة الجمال هو شاعر واحد اسمه مرسي جميل عزيز تتغني بها كل مطربات ومطربي ذلك الزمن.. من أين يأتي ذلك الرجل الشرقاوي سمح القسمات بتلك الكلمات؟ كان أمير الشعراء أحمد شوقي ناظم اللآلئ يقول دائما: أنا لا أخاف علي اللغة الفصحي إلا من عامية بيرم التونسي ذلك أن عامية بيرم التونسي في الشعر والأغاني ترتقي إلي مستوي الفصحي بل وتكون أحيانا أجمل منها.. ولو عاش أحمد شوقي حتي سمع أشعار مرسي جميل عزيز العامية لحسده أيضا عليها. لم ينج مطرب واحد من أسر كلمات مرسي جميل عزيز فقد تغني بكلماته جميع المطربين والمطربات دون استثناء.. وقبل أن يصعد إلي عالم الخلود غنت له أم كلثوم ليلة من ألف ليلة وغني له عبد الوهاب من غير ليه كما غنت له أيضا في أيامه الأخيرة عفاف راضي أجمل ما غنت في كل حياتها. قانون مصر الأكبر هو من يحبني بإخلاص أحبه أنا أيضا بإخلاص وأفتح له قلبي لأمنحه ما لا أمنحه للآخرين.. هذا هو قانون مصر, فهي لا تخلد إلا من يحبها بإخلاص وأما المزيفون فإنها تميتهم مهما بلغت شهرتهم بمجرد أن يموتوا لقد خلدت مصر عبد الناصر رغم النكسة كما خلدت سيد درويش فلا نزال نسمعه حتي اليوم ويعزف العالم كله موسيقاه من خلال السلام الجمهوري في زيارات السيد الرئيس المصري.. وخلدت أيضا نجيب محفوظ الذي خلد أحياءها وشوارعها وحواريها في رواياته.. ومصر لا تنسي إلا من ينساها ويخطئ من يظن أن الروح المصرية تموت.. قد تغفو أحيانا لكنها سريعا ما تستيقظ وقد استعادت حيويتها ونشاطها لتخبر العالم كله أنها حية منذ الفراعنة وحتي اليوم وهي تحيا بسر الحياة الأكبر: الحب. ومصر اليوم تحتاج الحب تحتاج الطاقة تحتاج النفوس الإيجابية التي تعمر.. وتبني لا الأفواه اللا مجدية التي هي أصلا كارهة لنفسها قبل أن تكون كارهة لغيرها.. إن مصر تنهض لمن يري ولمن يريد أن يري.. وتحية إجلال لتلك الأرواح التي بثت الحب في ربوع مصر.. أم كلثوم.. ومرسي جميل عزيز في ذكراهما.