عندما أقدم اليهودي الأسترالي المتطرف دنيس مايكل علي إحراق المسجد الأقصي عام1969, قالت حينها جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل: لم أنم ليلتها وأنا أتخيل العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا من كل صوب, لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء, أدركت أنه باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه أمة نائمة. وبنظرة موضوعية لما آل إليه حال العرب الآن, نجد أننا فعلا أمة نائمة, تحولت أرضها وسماؤها إلي ساحة حرب بالوكالة بين القوي الدولية والإقليمية, لنهب ثرواتها والعبث بمستقبلها, وتقسيمها فرقا وشيعا, بحيث يقتل العربي أخاه بيده, وما تشهده اليمن وسوريا وليبيا ولبنان والعراق خير شاهد علي ما وصل إليه حالنا, من ضعف وهوان وتشتت وانقسام. ولو كنا أمة يقظة واعية ومدركة لما يخطط لها في معامل الأبحاث الأمريكيةوالغربية ومن قوي الشر, لما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل, ولما قام الكيان الصهيوني ببناء المستوطنات, وطمس كل المعالم الإسلامية والمسيحية من مدينة القدس, ضاربا عرض الحائط بكل القرارات الدولية, فالسبب الرئيسي في الغطرسة الأمريكية, والصلف والعدوان الإسرائيلي هو الضعف والهوان الذي أصابنا بعد ثورات الخريف العربي. ويقع جانب كبير من تهميش وضياع القضية الفلسطينية علي الفلسطينيين أنفسهم, فحالة الانقسام والتناحر بين الفصائل الفلسطينية أعطت الضوء الأخضر للكيان الصهيوني ليبني المزيد من المستوطنات, ويعربد في كل الأراضي الفلسطينية دون رادع, وأعتقد أن الفلسطينيين الآن أمامهم فرصة تاريخية لن تتكرر, وعليهم الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما, التوحد أو الضياع, وأمام قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس لم يعد هناك من سبيل أمام الفصائل الفلسطينية المتناحرة والمتصارعة علي السلطة والنفوذ, سوي الانصهار في كيان واحد, بحيث يكون هناك صوت واحد للفلسطينيين, يتحدث ويتفاوض ويقاوم باسمهم. والآن, مصر هيأت المناخ المناسب للمصالحة الفلسطينية الشاملة, ولم يعد أمام الفصائل الفلسطينية سوي انتهاز هذه الفرصة السانحة, خاصة أن مصر كانت ولا تزال أكبر داعم للقضية الفلسطينية, دون هدف أو غرض, سوي مصلحة الشعب الفلسطيني, وقد ضحت بأرواح آلاف الشهداء, في سبيل إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. وأكبر صفعة يمكن أن يوجهها الفلسطينيون لترامب, هي المصالحة الشاملة, وتوحيد القيادة الفلسطينية, واتفاق كل الفصائل الفلسطينية الفاعلة في الداخل والخارج علي برنامج عمل موحد لآلية التفاوض والمقاومة, وأن تبادر حماس بتسليم أسلحتها وخرائط الأنفاق للسلطة الفلسطينية, وفي هذه الحالة فقط يمكن للفلسطينيين أن يراهنوا علي أطراف دولية أخري, كروسيا والصين والدول الغربية وغيرها, في سبيل البحث عن حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية, بعيدا عن أمريكا, التي أثبتت التجربة العملية انحيازها السافر والأعمي علي طول الخط للكيان الصهيوني. ونحن كعرب يمكن أن نرد الصفعة لترامب, ليس بالتظاهر وحرق الأعلام, ولكن بالعمل والإنتاج والعلم والتنمية والبناء والتعاون والتنسيق والتكامل فيما بيننا, بحيث تكون هناك قوة عربية مشتركة, تدافع عن الأمة العربية, وأيضا من خلال بناء جسور من الثقة, وأمام العرب الآن نموذج حي ومثل أعلي يحتذي وهي مصر أم الدنيا, التي تؤمن قولا وفعلا بالتعايش السلمي واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها, وتعمل برغم ظروفها الصعبة علي وحدة الأراضي العربية وعدم تقسيمها وتفتيتها, فهي من تطالب بتسليح الجيش الوطني الليبي, وهي من ترعي المصالحة الفلسطينية, وهي من تطالب بحق الشعب السوري في تقرير مصيره, فعلي الدول العربية أن تحذو حذو مصر في عدم التدخل في شئون الدول العربية الأخري, والبحث عن نقاط الوفاق, لا سكب المزيد من الزيت علي نقاط الخلاف.