في خضم الأزمات والانهيارات والحروب الأهلية التي تعاني منها المنطقة العربية.. جاء اعتراف الرئيس الامريكي, دونالد ترامب بالقدس كعاصمة لاسرائيل, لكي يضعنا في مواجهة الحقائق المرة من جديد, ولكي يذكرنا بأنه بدون حل متوزان وعادل وقابل للحياة للصراع العربي الاسرائيلي, فإن الأمور لن تستقر, بل ستظل المنطقة تقذف بحممها ولن تعرف للاستقرار سبيلا.. والأكثر مأساوية أنه في ظل تدخلات اقليمية ودولية كثيفة اخترقت العالم العربي فأوهنته ومزقته, سعي البعض لاعادة تعريف من هو العدو؟.. ومن هو الصديق؟ في محاولة لوضع الصراع الشيعي السني في الواجهة كبديل للصراع العربي الاسرائيلي, وجاء قرار ترامب ليذكر الجميع بأن ضياع القدس بعد أن ضاعت معظم الأراضي الفلسطينية هو الوجه الأكثر كارثية واذلالا, ودفعا للمنطقة للانسحاق والدوران في فلك التدمير الذاتي بعد أن تم تدجينها واعاقة نموها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي عبر مراحل مركبة كل منها يقود إلي الأخري.. في الوقت الحالي تبدو القضية الفلسطينية في مأزق عميق نتيجة الإختلال الشامل لميزان القوي, حيث تقوم دولة الكيان الصهيوني بفرض خريطة علي الأرض تعبر عن الحلم الصهيوني, مدعومة ليس بقوة كيانها فقط, وهي قوة هائلة علي المستويين العسكري والتقني, بل وبقوة الولاياتالمتحدةالامريكية التي تمثل القطب الأعظم في العالم في الوقت الحالي. والشاهد أن حل الدولتين الذي كان يقضي بإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية, علي حدود4 يونيو1967 مع تبادل طفيف للأراضي, قد تراجع بشكل شبه كامل بفعل سياسات الاستيطان التي اتبعها اليمين الاسرائيلي التي أتت علي معظم مساحات الضفة الغربية, ومعروف أن اسرائيل ترمي من وراء ذلك الي طرح حلول بديلة تقوم علي التعدي علي أراضي دول عربية مجاورة أو قضم مساحات منها, مثل طرح فكرة البديل الأردني في مرحلة من المراحل في عهد شارون, أو مشروع جيورا أيلاند الذي يسعون للترويج له الآن عبر تبادل اراضي في سيناء. أن قرار الاعتراف بالقدس ينذر بعواقب وخيمة, ويضرب كل إطروحات الحل الشامل القابل للاستدامة في مقتل.. فلا يمكن لجبروت القوة مهما بلغت من صلف وعمي, ان يتجاوز العوامل المتصلة بالعقائد والأديان والتاريخ الممتد, وهي عوامل بالغة العمق والتجذر في تاريخ هذه المنطقة.. ولذا فإن سارت الأمور في اتجاهها الحالي, فإنه لن يكون مطروحا أمام الشعب الفلسطيني سوي العودة لما كان يتم تداولة في أوقات سابقة, حول فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية.. حيث تقوم دولة واحدة علي كل فلسطين التاريخية من البحر الي النهر شاملة قطاع غزة ويعيش فيها اليهود والفلسطينيون, ويتمتعون بالمواطنة والحقوق المتساوية تحت سلطة واحدة مختلطة. ورغم أن دولة الكيان الصهيوني لن ترغب في هذا الحل الذي يهدد يهودية الدولة, إلا أنهم في الوقت نفسه لن يستطيعوا الاحتفاظ بملايين الفلسطينيين تحت نظام فصل عنصري كامل, بعد ان تم سد المنافذ امام حل الدولتين.. وهناك خطر آخر هو التزايد الميوجرافي الفلسطيني, حيث يعيش الآن حوالي6.2 مليون يهودي و5.5 مليون فلسطيني تقريبا.. الا أنه خلال سنوات قليلة سيكون عدد الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية أكبر من عدد اليهود, وسيتسع الفارق باستمرار بما سيؤدي عمليا إلي تقويض فكرة الدولة اليهودية من الداخل خلال سنوات قليلة.