يري بعض الخبراء ان العصر الذي نعيشه حاليا هو أقل العصور حروبا في تاريخ البشرية, من حيث عدد الحروب وعدد القتلي فيها; ولكن تبقي مأساة اللاجئين والتي في معظمها هي النتيجة المباشرة للحروب, تعتبر أكبر مأساة يشهدها التاريخ. صور تلك المأساة بشكل قوي وكامل الي حد كبير المخرج الصيني أي وي وي في فيلم وثائقي بعنوان تدفق البشر ليكون بمثابة جرس إنذار يلقي الضوء علي حجم المشكلة أو المأساة في انحاء العالم من أفغانستان الي المكسيك, مرورا ببنجلاديش والعراق وسوريا وفلسطين وكينيا في أفريقيا. يلقي المخرج الصيني بالأرقام والحقائق علي المشاهد مباشرة, بلا رتوش ولا تحليل أو أحكام. إنها الحقائق والأرقام التي تتكلم وتجسد المأساة بالصورة الواقعية والبشر الحقيقيين. وكلمات عميقة من شعراء وفنانين وسياسيين تصف مأساة اللاجئين. مئات الآلاف من البشر يتدفقون الي مناطق أخري غير وطنهم الاصلي, يهاجرون قسريا من أرضهم التي عاشوا عليها, وبنوا عليها مساكنهم وزرعوا أرضها, ويتوجهون الي أرض غريبة عنهم, لدي أناس يتحدثون لغات غريبة, وفي أغلب الأحيان غير مرحبين بهم; ينتقلون بالبر أو بالبحر, في رحلة طويلة قاسية لا تبدو لهم فيها نهاية; يشاركهم في الرحلة الموت والمرض والقهر والإحباط واليأس والخوف. ويستقبلهم علي الضفة الأخري الصقيع والجوع وطرق طويلة تنتهي أحيانا بأسوار وأسلاك شائكة تعلن رفض استقبالهم. يتفق البعض مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي قررت وقف تدفق اللاجئين اليها علي أساس أنهم ينقلون الي الغرب الديمقراطي, الغني, المستقر, كل أمراض اللاجئين الجسدية والنفسية; وينشرون في المجتمعات الديمقراطية المستقرة والغنية, العنف والقذارة وربما أيضا الإرهاب. ولكن ما لا يعرفه هؤلاء هو أن السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة اللاجئين هذا الانتشار المخيف, هي الحروب; تلك الحروب التي شنها الغرب في أفغانستان ثم العراق وسوريا والسودان وكينيا في افريقيا بلا سبب جوهري, وبرغم معارضة المجتمع الدولي بالكامل; وأن المحرك الرئيسي لتلك الحروب هو جشع الأغنياء وتنافسهم من أجل وضع يدهم علي ثروات الدول الفقيرة مثل البترول والماس والمعادن النادرة; ورغبة الدول الكبري في فرض سيطرتها علي المناطق الاستراتيجية مثل الشرق الأوسط; ذلك فضلا عن أسباب طبيعية أخري مثل الجفاف والمجاعات التي تدفع البشر الي البحث عن الطعام في مناطق أخري. أما النتائج المباشرة لتلك الآفة والمأساة فهي بلا شك خلق جيل كامل من أطفال العالم الثالث لا يعرف الا الحزن والمرض والجهل الذي ينمي الغضب ليصبح تربة خصبة للإرهاب. إننا نعلم جميعا مأساة اللاجئين, ولكن أن نراها مجسدة علي شاشات السينما بتلك القوة والواقعية تنقل المأساة الي أرضنا وتضعنا في موقع المسئولية. إن المشكلة ليست مشكلة الآخرين, ولكنها مشكلتنا الحالية والآنية لأنها ستؤثر في كل أوجه حياتنا وحياة المجتمعات الغربية التي ساهمت في خلقها, فلا يجب تجاهلها. إن الدائرة تغلق وما حركه الغرب من حروب يعود اليهم في شكل لاجئين.