إن الطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الطيبة؟!. هكذا تظل هذه قاعدة مستقرة فى دنيا البشر، وأحسب أنها صادقة وحاكمة فى دنيا الأمم. ولعل مما يكمل الأمر تلك المقولة الأخرى «حاذر من عدوك مرة، وحاذر من صديقك ألف مرة»؟! واليوم فإن الكثيرين من النخبة والرأى العام فى المنطقة العربية حتى وقت قريب كانوا يرفضون بقوة مسألة «إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط»، إلا أن أصواتا عدة فى الغرب هى التى باتت الآن تتحدث صراحة عن «نهاية الشرق الأوسط الذى نعرفه» مثل الخبير الألمانى فولكر بيرتيس مدير المعهد الألمانى للدراسات الدولية والأمنية فى برلين والذى يتساءل «هل انتهت الحدود التى رسمتها اتفاقية سايكس بيكو؟ وذلك فى كتابه عن نهاية الشرق الأوسط، وفى المقابل يقدم جيفرى ساكس أستاذ التنمية المستدامة والسياسات الصحية والإدارة ومدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا رؤية جيدة للمستقبل، وفى مقالة مهمة تحت عنوان «مائة عام من تدخلات الغرب وفى العالم الإسلامى وقرن جديد فى الشرق الأوسط» فإن ساكس يرى أن التدخلات الغربية أجهضت ترسيخ الديمقراطيات فى العالم العربي. ويلقى ساكس باللائمة على الغرب فى تدخله خاصة الولاياتالمتحدة فى دعم الانقلابات العسكرية والإطاحة بالحكومات التى تراها «ليست رهن إشارتها بالقدر الكافي»، وتسليح المنطقة بأسلحة بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات، وأنشأت الولاياتالمتحدة قواعد عسكرية فى أنحاء المنطقة، وأشعل الغرب وأمريكا حروبا متكررة والآن أصبحت مزمنة، وسلح الجهاديين الأشد عنفا لتحقيق غايات هادئة. وينهى ساكس قائمة الاتهامات للغرب والولاياتالمتحدة بجملة «كاشفة» وخلفتم ميادين قتل تمتد اليوم من باماكو إلى كابول». ترى هل تغير شيء من الممارسات الغربية توحى بأن ثمة شيئا قد يتبدل؟ وأحسب أن الإجابة المرة عن السؤال الصعب هى «لا.. ولكن»؟، وهنا فإن الأمانة تقتضى التأكيد بأن الغرب خاصة الولاياتالمتحدة تعيد الآن رسم بعض الأدوار، ولكن فى إطار اللعبة ذاتها.. والتى خلاصتها: الحفاظ على تدفق النفط وفق أسعار تراها مناسبة لها ولحلفائها، الحفاظ على أمن إسرائيل، والحفاظ على حرية الملاحة فى الممرات الدولية والإقليمية أمام حركة التجارة وأساطيلها البحرية، والتحكم فى «التنظيمات الأصولية» والجهادية والإرهابية فى إطار «المصالح الاستراتيجية العليا لواشنطن»؟!. وهنا بعض الملاحظات المهمة على المشهد العربي: «شيطنة العرب» والحلفاء القدامي: علينا أن نتعلم أن واشنطن احتضنت القاعدة ودربتها ثم شيطنتها، والأمر ذاته مع طالبان أفغانستان. ولقد احتضنت صدام حسين ثم انقلبت عليه. والآن تقول الكاتبة اللبنانية هدى الحسينى فى الشرق الأوسط فى مقالة بعنوان »يخطئ الأمريكيون إذا راهنوا على الإصلاحيين فى إيران»! إن الاصلاحيين لن يتمكنوا من تغيير إيران وأن روحانى سيكون خاتمى آخر. إلا أن أخطر ما فى المقالة هى نهايتها» يعرف ظريف وزير خارجية إيران أن الغرب لن يطالب إيران بشيء، وسيهمل اتهامات خامنئ، وسوف يتحمل تلاعب روحانى وظريف، ويريد تجميل صورة إيران». وتكمل الحسينى «أنه يزرع، وعن قصد، بذور حرب طويلة المدي» ولعل السؤال الذى يطرح نفسه هنا هل الغرب بريء أو بعيد عن اذكاء الحرب المذهبية الدينية فى الشرق الأوسط؟!، وهل الاتهامات «سابقة التجهيز» للعرب والسعودية تحديدا بأنها وراء فتنة التطرف؟ والجماعات الإرهابية؟ ومحاولة دفع دول الخليج فى أتون حروب بالوكالة، والاصطدام مع إيران وحلفائها. بل رأينا أخيرا كتابات إسرائيلية تحرض مصر على احتلال ليبيا والاستفادة من ثروتها النفطية. وأحسب أن الخبرات التاريخية لنا تعلمنا دروسا كبري، ويكفى هنا مأساة «التورط المصرى فى اليمن» و «احتلال صدام للكويت، والحرب العراقية الإيرانية».. وهنا يجب عدم تكرار المأساة! مركزية الدور الأمريكي: أصر الخبراء الصينيون خلال مؤتمر دولى تحت عنوان «حزام واحد طريق واحد والعلاقات العربية الصينية» عقد فى بكين خلال ستمبر الماضى على «مركزية الدور الأمريكي» فى منطقة الشرق الأوسط، وقال الخبراء والمسئولون الصينيون إن الولاياتالمتحدة لم تنسحب من الشرق الأوسط، ولم يقل اهتمامها بالمنطقة، ولن تتنازل عن «مركزية دورها فى تفاعلات المنطقة»، وإنما تسعى لتحقيق مصالحها بتكلفة أقل من خلال تحميل دول المنطقة تكلفة إدارة الأزمات وأدارة الصراعات الإقليمية بما لا يتعارض مع المصالح الأمريكية. وأشار المسئولون الصينيون إلى أن واشنطن تضع حدودا وقيودا متعددة على الدور الصينى فى قضايا الشرق الأوسط، فلم تقبل عضوية الصين فى اللجنة الرباعية الراعية للسلام فى الشرق الأوسط. وفى المقابل لم تعترض على الدور الصينى فى المفاوضات الإيرانية مع إيران، مما يعنى أن الولاياتالمتحدة تتعامل مع الدور الصينى «بمنطق وظيفي» يستهدف تحقيق المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط فى المقام الأول, ولعل هذا ربما يفسر الترحيب الأمريكى بالدور الروسى فى سوريا، والدور التركي، وأدوار إيران وآخرين فى إطار المصالح الأمريكية. وأحسب أن البداية لابد أن تكون فى بحث دول المنطقة عن تحالفات أوسع فيما بينها حتى يمكنها تحقيق قدر من التوازن مع «الأجندة الأمريكية» الجديدة، وعدم التورط فى نزاعات لا تفيد أمن واستقرار دول المنطقة، ولا تطلعات شعوبها. ونعود إلى د. بيرتيس الذى يرى أن النظام الذى وطدته القوى الغربية من خلال اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 كان مرفوضا من البداية من بلدان الشرق الأوسط، بل اعتبر سببا فى كل المصائب. ويبشرنا بأن فى المحصلة يتزايد عدد الناس الذين يرون أن النظام القديم كان سيئا، إلا أن البديل النظام سييء ليس بالضرورة نظاما أفضل، بل من المحتمل ألا يكون هناك نظام نهائيا؟! وفى نهاية المطاف يتوجه فولكر بيرتيس لصانع القرار الأوروبى ليقول «لابد من سعى السياسات الدولية لإحلال هدنات قابلة للحياة، وإلى عمليات سياسية انتقالية تشكل مصداقية كافية لسحب البساط من تحت أقدام تنظيم الدولة الإسلامية والجهاديين الآخرين». وأحسب أن توصية بيرتيس تنسجم مع «إطار للسياسة الأوروبية»، ولكن العالم العربى عليه أن ينظر بعمق إلى «الواقع الداخلي» للمجتمعات العربية من أجل إصلاح أمراض مزمنة، وهنا فإن جيفرى ساكس قال «ينبغى للزعماء المحليين، من منطقة الساحل عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى أن يدركوا أن التحدى الأكبر الذى يواجه العالم الإسلامى اليوم يتمثل فى جودة التعليم، فالمنطقة متأخرة كثيرا عن الدول متوسطة الدخل فى العلوم والرياضيات، والإداع التكنولوجي، والمبادرة التجارية، وتنمية المشاريع الصغيرة، وبالتالى خلق فرص عمل. ويطلق ساكس تحذيرا مهما وفى غياب التعليم العالى الجودة، تصبح احتمالات الازدهار الاقتصادي، والاستقرار السياسى ضئيلة للغاية فى أى مكان». باختصار «الإصلاح والتهديد يبدأ من الداخل»؟! لمزيد من مقالات محمد صابرين