بعد استعادة قوات الأمن العراقية السيطرة علي مدينة الموصل, تبقت أمام العراق ثلاث معارك أخري ليطوي صفحة تنظيم داعش الإرهابي, ولكن المعارك المقبلة ستكون سياسية ودبلوماسية أكثر منها عسكرية بسبب حساسية أرض المعارك. في صيف2014 بلغ التنظيم أوج قوته وسيطر علي مدن الموصل والأنبار وصلاح الدين ما يشكل ثلث مساحة العراق, ولكن نفوذ المتطرفين تقلص كثيرا هذه الأيام خصوصا بعد خسارته الموصل عاصمة دولة الخلافة التي أعلن أبو بكر البغدادي من أحد مساجدها تنصيب نفسه خليفة للمسلمين. يسيطر المتطرفون اليوم علي ثلاث بلدات فقط هي تلعفر غرب الموصل, والحويجة جنوبكركوك, والقائم غرب والأنبار, ولكل مدينة حساباتها السياسية المعقدة بعضها مرتبطة بثلاث دول مجاورة للعراق هي: إيرانوتركياوسوريا, وأخري مرتبطة بالصراع بين بغداد وأربيل. وعلي خلاف باقي المعارك التي خاضتها قوات الأمن العراقية في تكريت وبيجي والفلوجة والرمادي وجرف الصخر كان التحدي يدور حول هوية القوات المشاركة في المعركة دون تعقيدات سياسية كبيرة, ولكن المعارك المقبلة ستكون من نوع آخر. يدور صراع تركي إيراني علي بلدة تلعفر التي تقطنها غالبية من التركمان السنة والشيعة, بينما يتطلب الإعداد لمعركة الحويجة توافقا سياسيا بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان, في حين أن المعركة الحاسمة ضد المتطرفين في بلدة القائم غرب الأنبار الواقعة علي الحدود الدولية تتطلب تنسيقا عراقيا سوريا أمريكيا بسبب تعقيدات النزاع السوري هناك. عندما هاجم الجيش العراقي مدينة الموصل في أكتوبر بعد استبعاد الفصائل الشيعية من المعركة, قامت هذه الفصائل بالالتفاف حول المدينة وتوجهت غربا نحو مدينة تلعفر وخاضت معارك للسيطرة علي ضواحيها, ولكن تهديدات تركية أجبرت الفصائل علي التوقف وعدم اقتحام المدينة وقررت التوجه أقصي الغرب عند بلدة البعاج علي الحدود السورية. ويحذر مسئولون أتراك من اقتحام الفصائل الشيعية تلعفر خشية حصول أعمال عنف طائفية ضد التركمان السنة الموجودين في المدينة والذين ينظر إليهم من قبل التركمان الشيعة الذين غادروا المدينة إلي محافظاتجنوبالعراق في كربلاء والنجف بأنهم يدعمون داعش. وعلي بعد(50 كلم) ما زالت قوات تركية موجودة في معسكر زليكان في بلدة بعشيقة شمال الموصل, ورفضت الانسحاب منها برغم اندلاع أزمة دبلوماسية بين بغداد وأنقرة, وهذه القوة العسكرية ورقة تهديد ضد الفصائل الشيعية إذا ما شاركت في معركة تلعفر. أما إصرار كل من تركياوإيران علي موقفهما فيمثل تحديا سياسيا كبيرا أمام رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يسعي لتجنب حدوث صراع بين الدولتين حول المدينة قد يعمل علي تغيير بوصلة الصراع الأساسية ضد التنظيم ويحتاج العبادي لوسائل دبلوماسية في حسم الصراع بين الطرفين قبل التفكير في الخطط العسكرية.