برغم كل شئ, استطاع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون احتواء الرئيس الامريكي دونالد ترامب, وكسبه لصفه بدبلوماسية ورقي, وذلك في لقائهما في باريس بمناسبة الاحتفالات الفرنسية بعيد ثورتها, وكذلك الاحتفالات بذكري مرور مائة عام علي مشاركة الولاياتالمتحدة في الحرب العالمية الأولي. بالرغم من أن ليس بين ترامب وماكرون أية نقاط تلاقي; لا في الشخصية, بين شخص يفتقد للدبلوماسية في كلماته حتي تلك التي يحاول فيها أن يكون مجاملا, وشخص تعلم في أرقي المعاهد السياسية في فرنسا; ولا في السياسات, بين سياسات ترامب المتطرفة والمتسرعة وسياسات ماكرون المدروسة والمتأنية. وبالرغم من كلمات ترامب القاسية عن فرنسا قبل عام واحد, في اثناء الحملة الانتخابية الامريكية, عندما وقع الاعتداء الارهابي في مدينة نيس الفرنسية في الاحتفالات بعيد الثورة الفرنسية, واعتبر فرنسا انها لم تعد فرنسا, وكيف أنها تعاني من مشاكل إرهابية, مثل المانيا, وانها تتحمل المسئولية عن ذلك بسبب سياسات أوروبا الخاصة بفتح الحدود وهو ما دفع بريطانيا الي الخروج من الاتحاد الاوروبي; وانه سوف يعمل علي الحد من استقبال زائرين من فرنسا بسبب تزايد الإرهاب فيها. وأخيرا كلماته القاسية بعد انتخاب ماكرون رئيسا للجمهورية, فاعتبر أن نتائج الانتخابات مخيبة للأمال. وبالرغم من الاحتجاجات الداخلية والخارجية ضد دعوة ترامب للمشاركة في احتفالات فرنسا, والتي تتزامن مع مرور مائة عام علي دخول الولاياتالمتحدة الي الحرب العالمية الأولي; فلم يخف العديد من قادة المعارضة الفرنسية رفضهم استقبال ترامب في فرنسا, مؤكدين انه غير مرحب به; بينما أبدت المانيا تحفظها بعد التوتر الذي ساد العلاقات بين ترامب والمستشارة الألمانية انجيلا ميركيل. ومع ذلك اختار ماكرون انتهاج استراتيجية الاحتواء مع توجيه رسالة واضحة بأن فرنسا لا تقدم تنازلات. لم يخل اللقاء من رسالة قوية من ماكرون الي ترامب, مؤداها, إنك بالرغم من كل شئ, الا أن أوروبا في حاجة الي الولاياتالمتحدة, كما تحتاج الولاياتالمتحدة الي أوروبا; وليس في صالح أي منهما أن يتصادما في أمور حيوية, مثل المناخ, والعلاقات مع الاتحاد الاوروبي, بينما تتسق مصالحهما بشكل وثيق في أمور حيوية أخري مثل الشرق الأوسط, والحرب ضد الإرهاب, والحرب الباردة الجديدة مع روسيا. كما نجح ماكرون في إعطاء ترامب صورة مغايرة لفرنسا; فدعاه لزيارة الانفاليد هذا الصرح التاريخي الذي يحكي جزءا كبيرا من تاريخ فرنسا منذ القرن الثامن عشر, ويضم رفات نابليون; فلم يخف ترامب اعجابه بتاريخ فرنسا, إذ قال معجبا: إن لديكم تاريخا عظيما. وترجم هذا الاعجاب بمصافحة قوية للرئيس الفرنسي والسيدة الأولي الفرنسية, بعد انتهاء العرض العسكري, الذي شاركت فيه قوات أمريكية. وبدبلوماسية حقيقية, أكد ماكرون في المؤتمر الصحفي أن فلسفته تكمن في انه مع وجود اختلافات في الرأي, ملمحا الي خروج ترامب من اتفاقية باريس حول المناخ, الا انه يجب دائما الاستمرار في الحوار والنقاش, مؤكدا قوة العلاقات بينهما. لقد أكد ماكرون موقف فرنسا وأوروبا, ولكنه في الوقت نفسه لم يغلق الباب تماما أمام تحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة. وهو بذلك ينتهج سياسة يمكن القول انها تتسق مع شخصيته, فهو لم يصطدم مع واشنطن بشكل واضح كما فعل جاك شيراك في عام3002, في موقفه من الحرب ضد العراق, ولكنه في نفس الوقت لم يتجه نحو واشنطن بلا حدود كما فعل نيكولا ساركوزي; بل حقق أسلوبا جديدا من الدبلوماسية والسياسة يمكن وصفها بالماكرونيزم.