الدكتور يوسف زيدان الذي لم يعرف بتخصصه كأستاذ للفلسفة في جامعة الإسكندرية بقدر ما عرف باعتباره روائيا خاصة بعد روايته الأشهر عزازيل. ومنذ ترك الرجل منصبه في مكتبة الإسكندرية ذلك المنصب الذي استفاد منه بأكثر بكثير مما أفاده وهو يحاول أن ينصب نفسه إماما للمفكرين والتاريخيين أحيانا اعتمادا علي الوثائق والمخطوطات التي أتيح له أن يطلع عليها في مكتبة الإسكندرية. ويبدو لي أنه كلما عثر علي وثيقة تؤكد عكس ما يعتقد فيه المصريون بشأن أي واقعة أو شخصية يتصور أنه وقع علي كنز كبير ويستخدم ذلك ليصدم المجتمع مؤسسا لفكرة أنه مصحح فكر الأمة وحامي الحقيقة التاريخية. وخلال الأيام الأخيرة صدمنا الرجل بحديث لا يرق بأي حال من الأحوال لمستوي الأكاديميين والمفكرين نتيجة الألفاظ التي استخدمها في التعبير عن رأيه في شخصية الناصر صلاح الدين الأيوبي. لقد سعي الدكتور زيدان لهدم ما أسس له فيلم المخرج يوسف شاهين في ستينيات القرن الماضي المعروف باسم الناصر صلاح الدين, ليقول لنا إن ما أتي به الفيلم غير صحيح وأن الناصر صلاح الدين هو أحقر شخصية في التاريخ الإسلامي. والناصر صلاح الدين شأنه شأن أي شخصية تاريخية له ما له وعليه ما عليه, وهو وغيره من الشخصيات والأحداث عرضة دائما لإعادة القراءة وربما الاكتشاف شريطة أن يتم ذلك من قبل المتخصصين وأن تتم القراءة والتحليل في ظل الظروف المعاصرة للشخصية أو للحدث التاريخي. أما فيلم يوسف شاهين فشأنه شأن الأعمال الدرامية تعتمد علي جزء من الحقيقة التاريخية وتسبغ عليها من الدراما ما يجعل منها مادة تصلح للعمل الدرامي أو السينمائي وقيل الكثير عن الأحداث أو الوقائع التي اختلقها الفيلم ليرسم صورة البطل في شخص الناصر صلاح الدين الذي كان بطلا بالفعل وإن يكن قد أتي بالوقائع التي قدمها الفيلم. ويظل في النهاية تقييم الفيلم في حدود أنه فيلم سينمائي يحلو للبعض ما أضافه من وقائع ويعتبره البعض الآخر تزييفا للتاريخ. أما استخدام الدكتور زيدان الذي يتصور أنه معلم الأمة لتعبير أحقر فإلي جانب أنه يحتكر الحقيقة لنفسه ويوهمنا أنه قيم كل الشخصيات في التاريخ الإسلامي ليخرج باستنتاجه أن صلاح الدين هو الأحقر وهذا لم يحدث بالطبع, إلي جانب ذلك فإنه باستخدامه ذلك التعبير يخرج ما قاله من دائرة كلام العلماء ليدخل في دائرة العامة والدهماء الذين يطلقون أحكاما مطلقة شديدة السطحية والعمومية. وما هكذا يتم التعامل مع التاريخ. وما فعله زيدان لم يقل جرما عما فعله الفيلم, فالأخير قدس الشخصية والأول حقرها. وعلي الأرجح, فإن الدكتور زيدان قد فعل ما فعل عبر شاشة التليفزيون من خلال برنامج شهير ليس لتصحيح معلومات الجمهور بقدر ما كان بحثا عن ضوء يبدو أنه انحسر أو ينحسر عنه ولم يعد له من ملجأ لتأمين بقاء بعض من ذلك الضوء سوي مثل تلك الموضوعات الخلافية شأن ما قاله سابقا عن القدس وبيت المقدس وأثار ما أثار من ضجة أيضا. فالدكتور زيدان كما نشر علي صفحته عبر الفيس بوك أعاد نشر مقال كان قد نشره في عام2010 عن الناصر صلاح الدين ولم يحدث ضجة أو علي الأقل الضجة التي أحدثها حديثه التليفزيوني ليؤكد أنه لم يأت بجديد متناسيا اختلاف مستقبل الرسالة بين قراء الصحيفة وبين الرأي العام متابع برامج التوك شو. كما تناسي الدكتور زيدان أن ما يقال أو يبحث بين المتخصصين لا يمكن أن يلقي هكذا علي مسامع الرأي العام بتلك الصدمة دونما سبب واضح لذلك, وكم هي القضايا الخلافية التي يتداولها المتخصصون في كتبهم أو أبحاثهم في أروقة العلم لو تم طرحها علي الرأي العام لأحدت ضجة لا تقل عن تلك التي أحدثها حديثه عن صلاح الدين. والأهم أن الدكتور زيدان تناسي أن طريقته تلك لا يمكن لها أن تدفع الجمهور للبحث عن الحقيقة بل إن ما حدث هو العكس تماما حيث سادت حالة من الاستياء والغضب بين الجمهور العادي واستغله آخرون للتأكيد علي أن ما يحدث منه هو مجرد حلقة من مسلسل الهجوم علي الإسلام, وهكذا تضيع القضية وفرصة تصحيح ما قد يكون قد علق بالباطل بذاكرة الشعب بشأن أي شخصية أو حدث تاريخي. ويظل الرابح الوحيد هو الدكتور زيدان أو بالأحري الناصر يوسف زيدان فهل يقبل هو أن يصفه أحد بالوصف الذي استخدمه بشأن الناصر الحقيقي.