شعرت بسعادة بالغة، وأنا أستمع إلى د. يوسف زيدان، وهو يهاجم الناصر صلاح الدين الأيوبى، وزادت سعادتى أكثر ، عندما قال للإعلامى عمرو أديب فى برنامجه «كل يوم»: «إن صلاح الدين من أحقر الشخصيات فى التاريخ، وإنه وقطز، مِن خلْق مؤسسة الحكم فى ذلك الوقت»، يقصد المرحلة الناصرية. ومصدر السعادة هنا أن يوسف زيدان كشف دون أن يدرى عن نفسه، ليظهر على حقيقته كمدِّعى معرفة، أو بمعنى أدق «دجال فكر».. بعد أن نجح لفترة ليست قصيرة فى أن يخدع البعض، ويقدم نفسه للرأى العام بوصفه عالمًا ومفكرًا.. مستخدمًا فى ذلك بعض الأساليب، على طريقة الفنان الكبير الراحل أحمد زكى فى فيلم «البيضة والحجر». فهو فى بداية حواراته ولقاءاته الإعلامية، يتكلم بالفصحى، التى يتخلى عنها بعد أن تكون أدت الغرض، وأقنعت المستمع بأنه يقول كلامًا مهمًا، ليعود بعد ذلك لطبيعته ويهذى.. وربما يلجأ للشتائم، كما فعل فى حديثه عن صلاح الدين الأيوبى. ليس هذا فقط، بل يمنحك يوسف زيدان وهو يتحدث شعورًا بأنه يفكر تفكيرًا عميقًا قبل أن يجيب على أى سؤال، فتجده يقول عبارة ما، ثم يصمت قليلا ويتنهد، وأحيانًا يتأمل وينظر إلى سقف الاستديو.. ثم يستكمل حديثه.. لتجد أنه تحدث كثيرًا ولم يقل شيئًا. هذا، بالإضافة إلى أنه يحفظ أسماء بعض المفكرين والفلاسفة العرب والأجانب، وعددًا من المصطلحات، الرنانة ومجموعة من الأكليشيهات من عينة: «فى الواقع»، «ربما»، على طريقة عمنا الفنان الكبير الراحل حمدى أحمد أو «محمد أفندى» فى فيلم «الأرض» عندما راح يقول: «الفلاحون فى بلادنا يفترشون الغبراء، ويلتحفون الصحراء». بالطبع.. صلاح الدين شخصية تاريخية، قائد عسكرى، أسس الدولة الأيوبية التى وحَّدت مصر والشام والحجاز، فى ظل الراية العباسية.. حاكم، له ما له، وعليه ما عليه، شأنه فى ذلك شأن الآخرين.. لكن المهم هنا، الطريقة التى تحدث بها زيدان، فهو لم يتكلم بلغة أو فكر العالم، أو حتى الباحث فى التاريخ، بل اكتفى بالشتيمة، ولا أعتقد أن البذاءة و«قلة الأدب»، يمكن أن تكون فى لحظة ما وجهة نظر. دعك من الشتائم، فكما يقولون «كل إناء ينضح بما فيه»، لكن فتش معى عن المنطق فى كلام يوسف زيدان.. هو يدلل مثلا على أن صلاح الدين ارتكب جريمة ضد الإنسانية بعزل الرجال الفاطميين عن النساء لينقطع نسلهم، موجهًا السؤال ل«عمرو أديب»: «هل تعرف فى مصر أى حد فاطمى؟!». يا سلام.. كلنا نعرف أن صلاح الدين أسس دولته، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية، التى استمرت 262 سنة.. وفى سبيل ذلك تصدى لمؤامرات بعض رجال الحكم السابقين النافذين، ومحاولاتهم العودة للحكم ليست معلومة جديدة فأى دولة حديثة العهد فى ذلك الزمان، لا تقوم إلا إذا أطاحت بأخرى سابقة، ويستمر الأمر لفترة، حتى يستقر الحكم الجديد أو تنجح محاولات قادة الدولة القديمة فى العودة مرة أخرى، وهكذا. وهذه الفترة من التاريخ، قُتلت بحثًا ودراسة، لكن تذكروا معى السؤال العبقرى الذى دلل به «المفكر اللولبى» على صدق كلامه.. «هل تعرف فى مصر أى حد فاطمى؟!».. تأملوا السؤال.. ثم اسألوا أنفسكم، لتدركوا مقدار الدجل والنصب باسم الفكر: «هل تعرفون فى مصر أى حد أموى أو عباسى أو أيوبى»؟!!. حقيقة.. من لا يرى فى صلاح الدين، سوى أنه حرق بعض الكتب، (بالمناسبة مسألة حريق «مكتبة القصر الكبير» كما رواها زيدان كاذبة).. ولا يرى فى هذه الفترة سوى بعض الوقائع أو جانب من جوانب الصراع على الحكم.. متجاهلا تحرير بيت المقدس، والتصدى للحملات الصليبية، فهو إما جاهل أو مغرض.. يسعى لتشويه كل مقاومة، أو دفاع عن الأرض ضد المغتصب، كما قال يوسف زيدان: «إن الأعمال التاريخية مثل و«اإسلاماه» تُحرّض الأطفال على العنف»!!.. (بالمناسبة الرواية صدرت عام 1945 وليس كما قال زيدان بعد ثورة يوليو). تخيلوا.. شخصًا يتجاهل قيم الدفاع عن الوطن، والموت فى سبيله، ويقول: «إن الأفلام التاريخية تُحرِّض على العنف»، وكأن قتال المحتل «عنف»!!.. للأسف نفس المنطق الصهيونى تجاه المقاومة الفلسطينية، وقبلها منطق العدوان الثلاثى تجاه المقاومة المصرية عام 1956، والاحتلال الفرنسى ضد المقاومة الجزائرية، ومنطق كل احتلال فى مواجهة عمليات المقاومة والدفاع عن الأوطان، والأرض والعرض.