منذ أحداث فضيحة ووترجيت التي تورط فيها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي وأدت لاستقالته قبل إقالته, وحتي الآن, لا يزال السؤال المطروح في مثل هذه الحالات: ما الذي كان يعرفه الرئيس, ومتي عرفه؟. واليوم يطرح أقطاب الحزب الديمقراطي السؤال نفسه من جديد. ويقولون إن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية هو فضيحة أكبر وأخطر من ووترجيت. وذلك لأن ووترجيت لم تغير نتيجة الانتخابات, وهم يتسلحون بإقرار الوكالات الاستخباراتية الأمريكية بتدخل الكرملين خلال الحملة الانتخابية في محاولة منه لمساعدة دونالد ترامب. وان هذه الحقيقة لا تمثل مجرد استنتاج استخباراتي لوكالة منفردة, بل يقال إنه أصبح يشكل دليلا قويا تتداوله أوساط وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وبقية الدوائر الاستخباراتية الأمريكية. النيران كانت قد خبت قليلا بعد استقالة مايكل فلين مستشار الأمن القومي. في فبراير الماضي الذي قال الديمقراطيون إن أوباما حذر ترامب من تعيينه في لقاء جمعهما في المكتب البيضاوي بعد أقل من48 ساعة من انتخاب ترامب. ولا يتعلق الأمر اليوم بمايكل فلين المستقيل, بل بالرئيس الذي وظفه, وهو الذي كان يفكر في تسميته لمنصب نائب الرئيس. الاستخبارات الامريكية تزعم أن المكالمات الهاتفية بين لجنة انتخابات ترامب وبين السفارة الروسية لم تنته بمحادثات بين فلين وبين السفير. وحسب القانون الامريكي, فان مجرد وجود هذه المكالمات هو مخالفة جنائية. الحديث هنا لا يدور عن مخالفة تقنية أو قانون قديم( قانون لوجان), الذي لم يطبق أبدا. الادعاء هو أن أجهزة الاستخبارات الروسية تسللت الي حواسيب كلينتون وحزبها, وسرقوا ونشروا مواد وأثروا علي نتائج الانتخابات. واذا كانوا فعلوا ذلك بالتشاور مع ترامب فان الحديث يدور عن سرقة الانتخابات, بل وأخطر من ذلك, عن الخيانة. هذه النظرية بالطبع هي أم المؤامرات. اليسار يشتبه في أن الرئيس هو جاسوس روسي, والرئيس يشتبه أن اليسار متآمر علي الجمهوريين. رؤساء الاجهزة الامنية, بما في ذلك ال اف.بي.آي يتهمون النخبة في الحكم, ونخبة الحكم تتهم رؤساء الاجهزة الامنية. وهؤلاء يخططون للقضاء علي اولئك. واشنطن لم تشهد حربا كهذه منذ ايام السناتور مكارثي في بداية الخمسينيات, عاصفة سياسية اندلعت بعد قرار الرئيس المفاجئ باقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي. الذي اصبح الديمقراطيون يدافعون عنه وهم الذين يلقون عليه مسئولية خسارة مرشحتهم هيلاري كلينتون, ولولاه لكان شخص آخر الآن جالسا في المكتب البيضاوي. وكانوا يطالبون بمحاسبته. وكان كومي المعروف باستقلاليته قد رفض مناقشة التحقيق وقال إن مكتب التحقيقات الفيدرالي سيبحث عن الحقيقة دون أي اعتبار للعواقب السياسية المحتملة فنحن لا نتحيز لأي شخص, ولا نعبأ بالثور الذي سيصاب أو بكبش الفداء من أي من الجانبين فهذا لا يهمنا. الديمقراطيون يشتبهون في أن ترامب يسعي إلي عرقلة تحقيق يمسه ويمس بعض أقاربه, ورفض البيت الأبيض دعوات من المعارضة الديمقراطية لتعيين مدع خاص للتحقيق, كما جري خلال فضائح ووترجيت أو مغامرات بيل كلينتون. ورغم تلك الحرب المسعورة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي التي تبدو كحرب وجودية, فان معظم المحللين يستبعدون نجاح الديمقراطيين في الاطاحة بالرئيس حيث لا أدلة علي التواطؤ, لكن المؤرخ الشهير ليتشمان يؤكد في كتاب له انه يمكن اتهام ترامب بالخيانة العظمي, إذا ما ثبتت المزاعم بشأن طلبه شخصيا أو أحد أعضاء فريقه الانتخابي من روسيا التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة.