دخل عبدالحليم حافظ نجم مصر الأول, وربما الأوحد منزله في منتصف الستينيات, ليفاجأ بأن ابنة شقيقته الطفلة تغني: اوعوا تحلوا المراكب والله يا ناس ماراكب ولا حاطط رجلي في المية إلا ومعايا عدوية فاستشعر العندليب الخطر الذي يحيط به. قبل أشهر كان الشاعر الشاب عبدالرحمن الأبنودي يرسل للشاعر الكبير صلاح جاهين قصائد لينشرها في مجلة صباح الخير, يتحمس جاهين للقصائد ويرسلها لحسن الشجاعي في الإذاعة بتوصية كبيرة, وبعد محاولات وشد وجذب وعدم استلطاف متبادل يتم الاتفاق علي أن احدي تلك القصائد ستخرج للنور في صورة أغنية يلحنها عبدالعظيم عبدالحق ويغنيها المطرب محمد عبدالرحمن الذي سيعرفه الجمهور باسم محمد رشدي, بعد أن تنجح الأغنية نجاحا ساحقا, وتجعل الملايين يترنمون معها: تحت السجر يا وهيبة ياما كلنا برتقان. ورشدي مواليد1931 وهو من دسوق بكفرالشيخ, ولا تختلف بداياته عن غيره من النجوم, بداية بائسة, عمل كميكانيكي سيارات, انتقال للقاهرة, ودرس في معهد فؤاد الأول, تخرج وتم اعتماده في الإذاعة بداية من عام1952 بلا بصمة حقيقية حتي جاءت وهيبة لتضعه في موقع مختلف, حيث جعل المطرب الشعبي يقف في صدارة المشهد. كانت عدوية تعمل خادمة في منزل عبدالعظيم عبدالحق, وكتب الأبنودي الأغنية التالية للثلاثي باسمها, غير أن عبدالحق الذي كان مزاجيا أكثر من اللازم يتكاسل عن تلحين الأغنية لتصل إلي بليغ حمدي الذي كان يصعد بسرعة الصاروخ, والذي كان يعيد للأغنية المصرية مصريتها, فتهز الأغنية عرش عبدالحليم وتجعل رشدي في مقدمة المبيعات. وفي الوقت نفسه يقدم رشدي موال أدهم الشرقاوي للإذاعة فيحقق نجاحا أكبر من نجاح عدوية, فيقرر عبدالحليم أن يتنازل عن رومانسيته, وأن ينتقل إلي الأغنية الشعبية, فيققدم أدهم الشرقاوي برؤيته في فيلم انتجته الدولة اواخر الستينيات ولعب بطولته الفنان عبدالله غيث. وبدأ العندليب في حصار رشدي فاحتكر إنتاج الأبنودي وبليغ حمدي ودخل منطقة رشدي بأغنيات: أنا كل ما أقول التوبة, والهوي هوايا, وجانا الهوي وغيرها من الأغنيات ذات الطابع الشعبي, ويتجه رشدي إلي حسن أبوعتمان وحلمي بكر فيغني عرباوي, فينقل حليم حصاره إلي الإعلام, وهو ما شكي منه رشدي مر الشكوي قبل أن يهاجر البلد تقريبا في بداية السبعينيات. يعود رشدي لمصر في أوائل التسعينيات, ويعيد تقديم أغنياته بتوزيع جديد فتحقق نفس النجاح الذي حققه في بداياته, ثم يصدر ألبومين جديدين في بداية الألفية, أحدهما صدر بعد وفاته والثاني من مايو2005, والغريب ان رشدي لا يفشل أبدا فقد حقق ألبومه دامت لمين ثم ألبوم قطر الحياة مبيعات منافسة لمبيعات عمرو دياب ومحمد منير رغم أن عصر الكاسيت قد بدأ في الزوال, وربنا يرحم الجميع.