في ظل الإرهاب الأسود الذي يجتاح العالم وافق مجلس الشيوخ الفرنسي بأغلبية228 صوتا مقابل32 فقط, علي تمديد حالة الطوارئ, السارية منذ أكثر من عام, إلي15 يوليو2017, أي لما بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وقد تابع الشعب الفرنسي بحذر وترقب تلك الجلسة التي كان متوقعا أن تكون عاصفة بين مؤيد لما تقدم به رئيس الجمهورية الخامسة, والذي أوشك علي الرحيل من قصر الإليزيه, وبين معارض مندد باغتيال الديمقراطية وتكميم الأفواه بكل اللغات. ولكن ما بدا غريبا لي, وأنا التي تابعت عن كثب الساحة الفرنسية وتداول السلطة من رؤساء وحكومات يتبني أفرادها إيديولوجيات متباينة وأحيانا متعارضة, أن تلك الجلسة كان لها رونق خاص. فقد ارتدت المصالحة الوطنية علما متعدد الألوان وتغنت بنشيد وطني واحد مفاده: نموت ونحيا من أجل سلامة فرنسا الوطن, والأرض, والمعتقد. وبالرغم من أن قانون الطواريء الفرنسي, والذي تم إقراره عام1955 خلال حرب الجزائر يعتبر قانونا لا هوادة فيه, إلا أن الدولة والحكومة والشعب وافقوا, بتصميم جاد وارتياح عام, علي تمديد هذا الوضع الاستثنائي للمرة الخامسة علي التوالي. وقانون الطواريء الذي طبقته فرنسا أكثر من مرة علي مدار السنوات القليلة الماضية, يسمح للدولة بفرض الإقامة الجبرية علي أي شخص تري الجهات الرسمية أنه يشكل خطرا علي الأمن والنظام العام, مداهمة المنازل في أي ساعة من الليل أو النهار بدون استصدار إذن قضائي لعملية المداهمة, إغلاق قاعات الاحتفالات, منع التجمعات, إيقاف حركة تنقل الأشخاص زمانا ومكانا, إقامة مناطق خاصة يطلق عليها مناطق أمنية تفرض فيها ضوابط وشروط خاصة تحددها الدولة بما يتراءي لها, إغلاق الأماكن العامة والمسارح والمكتبات والمقاهي, فرض نوع من الرقابة علي الصحافة وبرامج الراديو ومحتوي دور السينما والعروض المسرحية وأخيرا, وليس آخرا, إطلاق يد القضاء العسكري للتحقيق في شئون من خارج صلاحياته المتعارف عليها وغير ذلك من تدابير قاسية وإجراءات حاسمة لمكافحة الجريمة المنظمة ووأد الإرهاب في مهده وتجفيف منابع تمويله. لكنني أتساءل, لماذا لم يخش الفرنسيون من النظرة السلبية للدول الأخري تجاه تلك السياسة التي تعوق الحريات المقدسة التي تمثل جوهر الجمهورية الفرنسية؟.. لماذا يضرب فرنسوا أولاند, قبيل رحيله من رئاسة البلاد, عرض الحائط بردود أفعال منظمات حقوق الإنسان إزاء هذا التمديد الذي تجاوز العشرين شهرا بدون مبرر طبقا لما يدعيه النشطاء الحقوقيون؟.. لماذا لم تقم باريس والمدن الأخري ولم تقعد حتي يتراجع البرلمانيون عن قرارهم بضغط شعبي أهوج لا يري أبعد من تحت قدميه اللتين لا تدريان إلي أي ميدان تسوقانه كل صباح؟ علني أستشف إجابة بديهية لهذا السؤال الاستنكاري أقرأها علي شفاه الأبناء المخلصين من كل جيل في كل الأوطان. أعزائي, إذا مات الوطن داخل القلوب, وشنق الانتماء علي حدود البلاد, وعشعش الظلام والحقد في العقول الخربة, وتعفنت مياه الشباب الراكدة في عقول الجهلاء, لماذا عندئذ نتعجب أن الأجفان لا ترتجف أمام الدماء التي تسيل عند ذبح القساوسة أو الأئمة أو حتي الأوطان؟!