أنا فتاة فى الثالثة والعشرين من عمري، تفتحت مداركى فى الحياة على أب شديد القسوة رغم تدينه الظاهرى حيث كان إماما لمسجد إلى جانب عمله كمهندس كمبيوتر، كان أبى لا يتوانى عن ضربى بالعصا أنا وأخواتى البنات الثلاث اللاتى كنت أصغرهن، بل كان لا يتوانى عن ضرب أمى ومازلت أذكر إحدى المشاجرات التى طاردها خلالها بالسكين فى الشارع لولا الجيران الذين أنقذوها. كان حلمى وسط هذه الظروف أن ألتحق بإحدى كليات القمة التى اجتهدت من أجلها وحققت بالفعل مجموعا عاليا فى الثانوية العامة الأولى فحرمنى وال ´دى من ال ´دروس الخصوصية فى السنة الثانية ليرغمنى على دخول كلية عادية لا يرى للفتيات سوى الالتحاق بها، وحدث له ما أراد والتحقت بكلية لا أريدها ولا أحبها، لكن حدث تحول خطير فى حياتنا، حيث تمردت والدتى أخيرا بقوة على الحياة التى فرضها والدى علينا جميعا وحصلت على الطلاق منه وانفصلنا عنه فى بيت خاص والتحقت أنا بعمل حيث إننى أفشل كل عام فى دراستى التى تمردت عليها هى أيضا ولم أنهها حتى الآن. ووجدتنى يا سيدتى أفعل كل ما كنت محرومة منه، فخلعت حجابى وانطلقت أصادق الشباب فى كل مكان لعلنى أجد من يعطينى حبا وحنانا وأمانا، وأصبحت مستقلة جدا فى حياتى أفعل بها ما أشاء، ووالدتى التى كانت ضحية لسنوات طويلة بدأت تتحسن نفسيا .... فهل أصبحت أكثر سعادة؟؟ لا يا سيدتى ... فأنا لا أشعر بالرضا عن حياتى ولا بالثقة فى قراراتى ولا حتى فى نفسي، وأشعر أننى ناقمة على أبى وأمى وكل من حولي، وأشعر بأن كثيرا من تصرفاتى خاطئة لكننى لا أستطيع إيقافها، وأتساءل: هل سأبقى هكذا بقية عمرى؟ أم ترين أننى أصبحت مريضة نفسيا فى حاجة إلى العلاج؟ وهل تعتقدين أن العلاج سيفيدنى أو أنه قد فات الأوان؟ عزيزتى المعذبة على طول الخط لا يفوتنى حجم المتناقضات التى ترعرعت عليها بين ماهو صالح وما هو طالح فى سلوكيات والدك كما تصفينها، بجانب طلاق والديك الذى ترينه أهم نقطة انفراج فى حياتك، أرى معك حجم الضغوط التى تعرضت لها من جراء الاضطرابات الأسرية التى عاصرتها والتدهور الدراسى الذى أرجعته إلى رغبة والدك والضغوط التى مارسها عليك حتى تحيدى عن الكلية التى ترغبينها، لكن مهلا ...... هل كان لك أى دور فى ما فات؟ وهل ترين مسئوليتك عن واقعك الآني؟ ماذا حدث لأخواتك؟ وهل هن جميعا يعانين مثلك؟ لا يعيبك أن تكونى أكثر حساسية أو أكثر عرضة من غيرك للمعاناة النفسية وأحترم بشدة طلبك المساعدة والمشورة، لكن إذا أنت تعانين من تقلبات مزاجية شديدة وتعطش للمشاعر فأغلب الظن أن المشورة وحدها لن تجدى نفعا معك لأن ما تصفينه من سلوكيات تبدو كأنها سوء سلوك اجتماعى يمكن أن يكون أحد أعراض اضطرابات الشخصية التى يستوجب الانتظام فى العلاج الدوائى والنفسي. لأن ما تصفينه من تعدد علاقاتك وتقربك على الملأ من الشباب، وعدم رضائك عن تصرفاتك وعدم قدرتك على السيطرة على انفعالاتك ومشاعرك يؤثر على صورتك «أمام نفسك » ويصنع منك ضحية لنصفك الأكثر تورما من جراء لكمات والديك فى الصغر والمراهقة ليكيل لك المزيد منها كأنك «ما شبعتيش ألم »، تفشيل وإيذاء للنفس والذات. ثم دعينى أطمأن عليك يا صديقتى الصغيرة، هل تملكين زمام نفسك وتصونين جسدك أثناء انخراطك فى مثل تلك العلاقات المفتوحة؟ أنا لا أسألك لحساب وصاية دينية أو اجتماعية لكنى أتمنى أن تكونى واعية بالأمراض المعدية الخطيرة التى يمكن أن تصيبك من انخراطك فى علاقة حميمية غير آمنة. ثم... هل انزلقت فى منحنى تعاطى أى نوع من المخدرات كالسجائر، الحشيش وخلافه فى حياتك التى تعيشينها بلا ضوابط ترتضينها لنفسك وتضمن سلامتك؟ فى حال انزلاقك فى أى من الدوائر السابق ذكرها )علاقة حميمية غير آمنة، مخدرات( أنصحك بالتوجه لطبيب نفسى على الفور فلن تزداد الأمور إلا سوءا. وفى حالة أنك ما زلت تملكين شيئا من زمام أمورك مازلت أنصحك بزيارة طبيب نفسى فى أقرب وقت لرأب الصدع الذى أصابك والذى أنت أكثر عرضة له )فليس كل من تعرض لنفس الظروف يعانى بنفس القدر(. أغلب الظن أنك لم تبوحى بكل شيء، ليس كذبا أو تجملا بل لأنك لا تطيقين ما تحملين من تج´ارب ماضية وآنية، إن صلاح أى علاقة ما بين اثنين ليس بالأمر الهين خاصة لو أفسدها كثير من الصدمات، فما بالك بعلاقتك بذاتك التى بالكاد تعرفينها أو ترغبينها فى بعض الأحيان؟ أخيرا وليس آخرا، غضبك من والدك ووالدتك أنت لا تمارسينه أو تنفسى عنه حاليا معهم بل تصبين جام غضبك على ذاتك، ومصالحتهم ولو عن بعد وبمسافة يمكنه أن يساعد جروحك على الالتئام.