تعاني السينما المصرية في فترة ما بعد الثورة من ظاهرة سرقة الأفلام الأجنبية وتحويلها إلي أفلام مصرية, لقد كانت السينما فيما قبل تستلهم مصادرها من الأدب العالمي وبالذات الفرنسي منه. فلقد كانت تلك فترة الميلودراما وكانت الفواجع الفرنسية خير منبع لها, فلقد اجمع الكثيرون من النقاد علي ان السينما المصرية لم تشهد نقل اعمال سينمائية عالمية ونسخها قبل ثورة يوليو الا من خلال فيلم( ليلي بنت الريف) مع أنور وجدي وليلي مراد ثم بعد ذلك مع فيلم بابا أمين ليوسف شاهين, والغريب ان الفيلمين مأخوذان عن عملين لمخرج واحد فرانك كابرا. لكن القائمة حافلة بالسرقات في فترة ما بعد الثورة بالأفلام التي تم نقلها مشهدا وتحويلها لأفلام مصرية. قد يرجع هذا إلي الديمقراطية الاجتماعية التي أرستها الثورة وجعلت السينما في متناول الجميع من بعد ان كانت السينما مقصورة علي النخبة فقط من الطبقات الاجتماعية فأصبحت السينما في متناول الجميع للسرقة منها, لقد انتهت ثورة يوليو من الوجود ومازالت السرقات تسيطر علي السينما المصرية, والغريب ان الأجيال الجديدة من كتاب السيناريو والمخرجين من الشباب يتزعمون هذا الاتجاه وكأن مفهوم السرقة من السينما العالمية أصبح يورث جيلا من بعد جيل.. هناك فرق كبير بين أن تسرق( نعم تسرق ودعونا نسمي الاشياء بمسمياتها) وان تتأثر بعمل.. فان السينمائي الدارس لتاريخ السينما يري أن هناك اعمالا في تاريخ هذا الفن تبقي مع الزمن وتزداد قيمتها مثل اللوحات الفنية, فعندما تقلد مشهدا من مشاهد تلك السينما العظيمة علي سبيل التحية للعمل الأصلي لا يكون سرقة, بشرط ان تعلن عن اسباب تشابه روح المشهدين( هكذا فعل برنار دي بالما في مشهد محطة القطار كتحية منه لمشهد سلالم الاودسا في فيلم المدرعة بوتمكين لايزنشتين)untouchable خلال فيلم من المخرجين المحبين للسينما والدارسين لتاريخها والمشاهدين بدأب لتراثها المخرج مارتين سكورسيزي, وتتضمن الكثير من اعماله مشاهد تذكرنا بما قدمه مخرجون عظام في تاريخ السينما بل انه ملم بكل تراث السينما حتي تلك التي تقدمها حضارات غير الحضارةالعربية, ولا ننسيTheDeparted دعمه لترميم فيلم المومياء لشادي عبدالسلام, لقد كان فيلم سكورسيزي الذي حصل من خلالها علي جائزة الأوسكار عام2006 لأول مرة في حياته مأخوذ عن فيلم لمخرج هونج كونج الشهير ونج كارواي, ولكنه لم يسرقه بل اشتري الحقوق وصنع نسخة بطعم سينما حيث يقوم ليوناردوShutterIsland سكورسيزي, يعرض حاليا لسكورسيزي فيلم جديد بعنوان دي كابريو ممثله المفضل في آخر اعماله دور البطولة, يحكي الفيلم المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للمؤلف دينيس لاهان عن اختفاء مريض في مصحة نفسية في ظروف غامضة تدفع ضابطين من الشرطة لبداية تحقيق موسع حول هذا الاختفاء الغامض من المصحة التي تضم اعتي مجرمي الولاياتالمتحدة في فترة ما بعد الحرب, يلعب ليناردو دي كابريو دور الضباط الدءوب في عمله و الذي لا يقبل بالحجج الواهية التي تقدمها له إدارة المستشفي متمثلة في مديرها( يقوم بالدور الممثل الكبير بنج كينجسلي) استمرار دي كابريو في البحث عن اسرار هذه المصحة النفسية المريبة وفضح اكاذيب المدير تجعله هدفا لادارتها وهوما يسبب له الكثير من المتاعب إلي حد اتهامه هونفسه بالجنون, تأثر سكورسيزي عند صناعة الفيلم بعمل للمخرج الامريكي الكبير صامويل فولر والذي يحكي عن صحفي طموح للفوز بجائزةShockCorridor عام1960 يحمل اسم الصحافة الشهيرة المعروفة باسم( جائزة بوليتز), لذا فهو يدعي الجنون ويدخل مصحة امراض عقلية للكشف عن سر جريمة قتل تمت بها, ليكتشف ان الكثيرين من نزلاء المصحة هم ضحايا المجتمع الذي تسيطر عليه العنصرية وعصابات الكوكلس كلان التي كانت تقتل الزنوج في الجنوب كذلك العنف المتزايد في المدن الامريكية, وفترة محاكم التفتيش التي اقامها السيناتور مكارثي لأصحاب الميول اليسارية وغيرها من امراض المجتمع الامريكي, ولا يجعلنا الفيلم ندرك هل النزلاء مجانين بالفعل ام هم سجناء رأي اعتبروا مجانين؟ قدم صامويل فولر الفيلم في جو من الاضاءة المعتمد علي الضوء والظل في فيلم بالأبيض والأسود معتمدا علي براعة مدير التصوير الأشهر في ذلك الوقت ستانلي كورتيز والذي برع في استخدام العلاقة بين الضوء والظل ليقدم لنا مصحة ولكن بشكل الإدغال الموحشة, جعل صامويل فولر بطله الصحفي يعالج بالجلسات الكهربائية لفترات متكررة حتي فقد عقله بالفعل لم يكن سكورسيزي هو المتأثر الوحيد بهذا الفيلم بل من قبله قام المخرج التشيكي ميلوش فورمان في أول اعماله في هوليوود بتقديم فيلمه الشهير( طار فوق عش الوقواق) والحاصل علي عدة جوائز اوسكار عام1976, والذي يقوم فيه الممثل الكبير جاك نيكلسون بدور مجرم ادعي الجنون للهروب من السجن فكان وقوفه امام سلطة المصحة القمعية ومحاولته الهروب وحض المرضي علي الوقوف معه ضد قمع الإدارة سببا في تعذيبه بالجلسات الكهربية حتي فقدانه لعقله وتحوله إلي مجنون فعلي, اقتباس اوإعادة صنع فيلم قديم لا يعني ان العمل السينمائي الجديديعتمد علي نجاح الفيلم الاصلي دون ان يكون العمل الجديدفي ذاته تحفة فنية. ولكن الأهم هو أنهم لايسرقون الأعمال في وضح النهار ويتبجحون بانتساب العمل لهم كما هو حال الكثير من أفلام السينما المصرية في السنوات الأخيرة