دائما ما يخرج الجمهور من عروض الأفلام المغربية, معلنا انه لم يفهم شيئا وأن اللغة المغربية غير مفهومة, بالطبع قد تكون هذه الدعوة صحيحة في جزء منها, حيث إن اللهجات المغربية هي خليط من العديد من اللغات التي منها الفرنسية و الاسبانية والصحراوية بل ان هناك لهجات بربرية من الصعب أن يفهمها سكان المدن في المغرب نفسه. ولكني لا اعتقد أن هذا هو العائق الوحيد بين الجمهور المصري والسينما المغاربية.... من البداية فإن معظم الأفلام المغربية تعرض من خلال المهرجانات والعروض الخاصة التي يرتادها جمهور من النخبة. يقرأ الترجمة الانجليزية التي تقدم بها كل أفلام المهرجانات والعروض الخاصة, وبالتالي فإن أحداث الفيلم تنقل للمشاهدين عبر ترجمة بلغة أخري غير اللغة التي ينطق بها الفيلم. سواء كان الفيلم صينيا أو يابانيا أو فرنسيا فإن الوسيط للتعرف علي أحداث الفيلم هو ترجمته الانجليزية, ولم نسمع يوما خلال عروض مهرجان القاهرة السينمائي( عروض الصحفيين والسينمائيين) من يتحدث علي أن الفيلم الياباني الذي شاهده لغته صعبة أو الفيلم البوسني ممتاز بس مش مفهوم بسبب لغته, لكن في ندوات الأفلام المقدمة من المغرب العربي وبالتحديد تلك تمثل المغرب فإن السؤال التقليدي الذي يطرح في الندوة التي يحضرها مخرج الفيلم, هوسؤال خاص بصعوبة اللغة المغربية, وكأن جمهور المشاهدين لا يمل من هذا السؤال عاما من بعد عام. هذا فيما يخص جمهور اللقاءات الثقافية والمهرجانات, أما فيما يخص الجمهور العادي فإن هذا الجمهور كان يعشق السينما الهندية في فترة من الفترات ونجمها أميتاب بتشان مما جعل موزعي الأفلام يحولون صالات السنيما في فترة من فترات تاريخ السينما في مصر إلي صالات سينما هندي, و كان الجميع يقرأ الترجمة ويسمع الأغاني بدون ترجمة ويتمتع بها, دون أي إشارة للغة الفيلم, وبالتالي لو كان الفيلم المغربي من المتوقع له أن يحقق نفس النجاح لقام الموزعون بترجمته باللغة العربية وعرضه علي جمهور السينما في مصر. ان العائق الرئيسي أمام السينما المغاربية في الساحة المصرية ليس هو لغتها ولكن فيما تتناوله من موضوعات وأساليبها في معالجة الواقع. فالمتفرج المصري تعود عبر المسيطر من الأفلام في ساحة السينما المصرية والمسلسلات التليفزيونية علي أن الدراما هي وسيلة للهروب من الواقع المر أو خلق لحلم صعب التحقيق( في المعظم والأعم), حيث الكوميديا الفجة, والبطل السوبر الخارق, والمغني والطرب, ومنازل الحلم والقري السياحية إلي آخر تلك التركيبة التي تسود في معظم أفلام السينما المصرية, واني اتذكر تعليق أحد الصحافيين علي فيلم الناقد والمخرج سيد سعيد( القبطان) بأنه يشبه أفلام المغرب العربي, وبالتالي فإن أي فيلم لا يحمل التوليفة السابقة يعتبر عند البعض( فيلما غير مصري). السينما المغربية في مجملها ليست سينما تجارية بالمعني المتعارف عليه في السينما المصرية وبالتالي فإن الموضوعات المطروحة في أفلامها ليست تلك الموضوعات التي تحقق الايرادات التي يحققها الفيلم المصري داخل السوق المصرية والذي يعتمد في الأساس علي العناصر التي سبق سردها( التغيب عن الواقع الحلم). لكن القضية الأساسية أن الأفلام المغربية في معظمها تحاول أن ترصد مظاهر الاختلال في المجتمع من فقر وتخلف وجريمة و انحراف وتحول إلي الدعارة بسبب الفقر والمخدرات والهجرة غير الشرعية..... وهي موضوعات شديدة الجدية لا تناسب المتفرج المصري الذي تحولت له كل الأشياء( أو معظمها) إلي كوميديا وخفة دم( حتي إعلانات التليفزيون تحول الكثير منها إلي نكت سخيفة), وبالتالي فإن الموضوعات الجادة التي تقدمها السينما المغربية تعتبر مملة. فيلم مثل الفيلم المغربي الملائكة لا تحلق فوق الدارالبيضاء من إخراج محمد عسلي يقدم لنا نماذج من المغربيين المهاجرين من مدن المغرب للعمل في الدارالبيضاء ومشاكل وأحلام كل منهم, فكان الحكم عليه بأنه شديد السواد ومحزن دون النظر إلي ما يطرحه من ظواهر اجتماعية في بلد مثل المغرب ومشاكل الهجرة الداخلية من أجل العمل وإلي آخر تلك الموضوعات المملة والمحزنة وفقا لحكم المشاهدين المصريين من النخبة. و كذلك فيلم مثل( بحيرتان من الدموع) من إخراج الحسيني يقدم قصة رومانسية عن فتاة تتمرد علي الحياة الأسرية وتحلم بحب شاب وتترك بيت العائلة و تتعرض للعديد من المشاكل منها دخول السجن والتشرد, بالرغم من التطويل في الفيلم وطرحه لكل مشاكل المغرب في فيلم واحد( انحراف الشباب المخدرات الهجرة غير الشرعية), الا أن اعتراض مشاهدي الفيلم في مهرجان القاهرة بعد مشاهدة الفيلم, كان أولا بالطبع اللعة المغربية بالرغم من ترجمة الفيلم للانجليزية, وبعد ذلك كانت الاعتراضات حول أن الموضوع مشابه لأفلام حسن الامام وبالتحديد فيلم التلميذة. بغض النظر عن مستوي الفيلم وطريقة صنعه, وهو ما لم يلفت نظر الكثيرين, فإنه عالج مشاكل تشغل بال المجتمع المغربي ومازالت الحوادث المشابهة تعد كوارث بالنسبة للعائلات المغربية وبالذات الفقيرة منها, لكن المجتمع المصري بالرغم من وجود مشاكل مماثلة وأكثر منها( حوادث قتل من أجل مبالغ تافهة من المال علي سبيل المثال) الا أن الأمور أصبحت بالنسبة للمشاهد المصري عادية ولم تعد هناك دهشة في المجتمع المصري. فلقد تعايش المصريون ومازالو يتعايشون مع كل ما يحدث ولايثير في داخلهم أي حفيظة أو غضب, وذلك لأنه الجميع( أو تقريبا) لايريد المشاركة مع غيره لتغيير أي ظاهرة وليس علي استعداد للمشاركة أصلا. لقد أصبح المصريون( في معظمهم) يتعايشون مع غرائب الواقع وكأنها صور درامية في مسلسل أو فيلم, فما بالك بدراما أو سينما تقدم لنا ظواهر هذا الواقع ستكون مملة وكئيبة ولا جديد فيها. طبعا تلك محاولة لتفسير عدم تفاعل الجمهور المصري مع السينما المغربية والتي لو نطقت بنفس حوارات محمد سعد و أفلام الحارة فستظل غير جماهيرية لأنها شديدة الجدية في معظمها, بغض النظر عن مستوي أفلامها فنيا أو سينمائيا والذي يتفاوت بين فيلم وآخر. [email protected]