في ظل الحديث المستمر في السياسة وعنها لما تشهده البلاد من تحولات, لم يقف رحيل صاحب نوبل عائقا امام حضوره في تلك اللحظة, إذ خصصت لجنة القصة بالمجلس الاعلي للثقافة ندوة صالون نجيب محفوظ يوم الثلاثاء الماضي لمناقشة مفتوحة بعنوان نجيب محفوظ والسياسة والتي قدم لها د. أحمد زكريا الشلق, وشارك بها كل من الكاتب خيري شلبي, والناقد عبدالرحمن ابو عوف, والكاتب والناقد مصطفي بيومي. * في البداية قال د. أحمد زكريا الشلق في ظني ليس هناك عمل ادبي له قيمة خال من السياسة, الأديب الحقيقي هو من يمتلك موقفا, إن كان مرئيا أو لا مرئي لكن هو موقف يعبر عن نفسه, ونجيب هو شيخ حارة القرن العشرين الشاهد عليه كاملا, ولم يشتغل بالعمل السياسي المباشر لكنه فعل ما هو أهم من هذا إذ قدم رأيا في كل ما يخص البلد داخل الصراعات السياسية والاجتماعية عبر ابطال اعماله الأدبية, لذا نجيب محفوظ هو مصر بخيرها وشرها ونجاحها وانكسارها, لانه قدم لنا ما يسمي بتاريخ الحياة اليومية, ويحق ان نطلق عليه مؤرخا بالأدب. * واتفق الكاتب خيري شلبي مع الشلق قائلا لم يكن اديبا بل مؤرخا لديه حس عال بالتاريخ رغم عدم اتجاهه لكتابته لدراسته الفلسفة التي أضافت اليه جانب التأمل في الحياة والناس, وبدأ بكتابة سلسلة روايات تتناول التاريخ الفرعوني وكان لديه رغبة في استكمالها, لكنه اتجه لكتابة الرواية الواقعية التي انتهت بالعمل الذروة الثلاثية. ويكمل شلبي رصد تاريخ مصر القديمة في رواياته الاولي والتي كانت مثل قاعدة تمهيدية لاتجاهه للتأريخ الاجتماعي المصري المعاصر في أعماله التالية, لكنه بعد كتابة روايته بين القصرين توقف عن الكتابة سبعة اعوام ظنا منه انه لا يوجد بعدها ما يكتب, ولكنه عاد وكتب اولاد حارتنا لانه توصل إلي ان الفترة التي توقف فيها كان يستوعب ما حدث بعد ثورة يوليو, لانها مثل لحظتنا الحالية بعد ثورة يناير سقطت كثير من الرؤي وتظهر أفكار جديدة. * ويؤكد خيري أنه بتتبع روايات محفوظ مثل اللص والكلاب, الكرنك, ميرامار, يوم قتل الزعيم, رحلة إبن فطومة وغيرها نجد اننا امام تاريخ دقيق لحركة المجتمع المصري لذا رصد محفوظ تاريخ مصر منذ الفراعنة حتي التاريخ الحديث, هذا التاريخ الاجتماعي له وجه سياسي قدمه بموضوعية دقيقة, أما رأيه الحقيقي فهو خبير في إخفائه, ومن مجمل اعماله نستطيع القول انه كان ضد كل اشكال القهر الإنساني وأنه مع الحرية والديمقراطية, وعن تطور احساسه بالسلطة ناقش في روايته أولاد حارتنا السلطة الابوية في المطلق, أما في الحرافيش فناقش فكرة السلطة السياسية وقدم الحكام في شكل به كثير من السخرية, وكان يهدف من تلك الرواية إلي تنوير الشعب المصري ودفعه للتمرد علي أي سلطة غاشمة. فيما أبدي الناقد عبدالرحمن أبو عوف اختلافه حول وصف نجيب محفوظ كمؤرخ, معللا ذلك بأن التاريخ ليس رصدا للاحداث, لكنه عند نجيب إميل إلي عمل شامخ يسمي الكوميديا الإنسانية, لذا لو قلنا انه مؤرخ فقد ظلمناه. * ومن جانبه يري الناقد مصطفي بيومي أن محفوظ عبر عن كل التيارات السياسية حسب تاريخ نشر العمل والكتابة والظروف السياسية, وعبر بوضوح عن الثورتين اللتين هو ابن شرعي لهما ثورة1919 وثورة يوليو, ويمكن استنباط رؤيته السياسية, من خلال طريقة طرحه لعمله والتي تؤكد انه وفدي. وأشار بيومي إلي آراء محفوظ في التيارات السياسية قائلا: عبر محفوظ عن الشيوعيين في احدي رواياته بانسان أعور اي انهم يرون نصف الحقيقة, اما الأخوان فلم ير عندهم غير التعصب وافتقاد الروح المصرية ولم يحترمهم, وعن رؤيته للمرحلة الناصرية مرتبطة بموقفه من الجيش الذي سماهم الممتهنين ولا يصح لهؤلاء ان يرتقوا للعمل السياسي كحكام.