كثر الجدل في الآونة الأخيرة بين أطياف الشعب المصري من مفكرين وقانونيين ومثقفين وفقهاء دستوريين علي اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم فيما يتعلق بالمواد الدستورية المراد تعديلها بين مؤيدلها ومعترض عليها ونتيجة لذلك الاختلاف انقسموا إلي فريقين: * الفريق الأول يؤيد تعديل الدستور ويري أن تلك التعديلات سوف تحقق مطالب الشعب والثورة مؤقتا من أجل اجتياز المرحلة الانتقالية الراهنة. *أما الفريق الثاني فيرفض تعديل الدستور ويري أنه ليس هناك جدوي من ذلك ولكن الأجدي هو وضع دستور جديد خاصة بعد أن سقط النظام بأكمله وسقط معه الدستور طبقا للشرعية الثورية المستمدة من ثورة25 يناير. وإن كنت أنا من أنصار الفريق الثاني الذي ينادي بضرورة انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يعبر عن آمال وطموحات الشعب المصري ويكون مواكبا للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المصري وأيا ما كان الأمر وبالنظر الي واقع ما انتهت اليه اللجنة الدستورية المكلفة بتعديل المواد(189,148,139,93,88,76,77,75) من نتائج واحقاقا للحق فانني أستطيع القول بأنه يحسب للجنة المجهود الذي بذلته في صياغة المواد المعدلة والتي جاءت متوافقة إلي حد ما مع بعض مطالب الشعب من جعل الانتخاب ببطاقة الرقم القومي وتقليص مدة رئاسة الجمهورية الي4 سنوات ميلادية وبحد اقصي مدة واحدة تالية بيد أنه اذا مانحينا ذلك جانبا نجد أن هناك الكثير من المآخذ علي طبيعة تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة بتعديل مواد الدستور وعلي التعديلات التي ادخلت علي المواد والتي يمكن إيجازها فيما يلي: اولا: فيما يتعلق بطبيعة تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة بتعديل مواد الدستور نجد انها ضمت في عضويتها نائبين لرئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا وهو مايتعارض ونص المادة(175) من الدستور التي تنص علي ان مهمة المحكمة الدستورية العليا هي الرقابة علي دستورية القوانين واللوائح والمقصود برقابة المحكمة هنا الرقابة اللاحقة علي صدور القانون وليست الرقابة السابقة لصدور القانون ومن ثم فان وجود هؤلاء الاعضاء في تشكيل اللجنة يضعهم في صيغة الرقابة السابقة وهو مايتنافي ويتعارض مع الدستور مما يوصم عمل اللجنة بعدم الدستورية. ثانيا: فيما يتعلق بالمادة(75) نجد انها وضعت حدا ادني لعمر المرشح لرئاسة الجمهورية وحددته ب4 سنوات ميلادية وأغفل القائمون علي تعديلها وضع حد أقصي لعمر المرشح. كما أنها صيغت بطريقة محددة لتكون مفصلة لمجتمع ذكوري وأغفلت حق المرأة في الترشح وهو مايتعارض ونص المادة(1) من الدستور التي تنص علي حق المواطنة والمادة(8) والتي تنص علي مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمادة(40) والتي تنص علي أن المواطنين لدي القانون سواء لاتمييز بينهم بسبب الجنس كما أنها صيغت بطريقة استبعادية لاشخاص بعينهم أمثال الدكتور أحمد زويل والدكتور فاروق الباز والدكتور محمد البرادعي حيث ان معظمهم يحمل جنسية اجنبية او متزوج من اجنبية. ثالثا: فيما يتعلق بالمادة(76) نجد انها تنص في احد بنودها علي ان قرارات اللجنة المكلفة بالاشراف علي الانتخابات الرئاسية نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأي طريق وامام اي جهة كما لايجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ او الالغاء وهو مايتعارض ونص المادة(68) من الدستور والتي تنص علي أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس جميعا وأن لكل مواطن حق الالتجاء الي قاضيه الطبيعي ويحظر النص في القوانين علي تحصين اي عمل او قرار اداري من رقابة القضاء رابعا: فيما يتعلق بالمادة(77) نجد انها تنص علي ان مدة رئاسة الجمهورية4 سنوات ميلادية وواقع القول أن المثير للدهشة في هذه المادة ماتنص عليه المادة(190) من ذات الدستور والتي تنص علي انه تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بإنقضاء6 سنوات ميلادية فكيف يحدث هذا التعارض؟ أو إلي اي المواد نحتكم في تحديد مدة الرئاسة؟ وهل هي4 سنوات أم6 سنوات؟ والسؤال هو كيف أغفلت اللجنة المكلفة بتعديل المادة(190) لكي تتواءم والمادة(77) فهذا يدل علي ان لجنة تعديل الدستور لم تكلف نفسها عناء قراءة الدستور بأكمله؟ خامسا: فيما يتعلق بالمادة(88) والتي تنص في أحد بنودها علي انه يجري الاقتراع والفوز تحت اشراف اعضاء من هيئات قضائية ترشحهم مجالسها العليا ويصدر باختيارهم قرار من اللجنة العليا. وحقيقة القول ان المجلس الاعلي للهيئات القضائية لا يعتبر مستقلا استقلالا كاملا حيث ان رئيس المجلس الاعلي للهيئات القضائية كان الرئيس السابق محمد حسني مبارك باعتباره رئيسا للجمهورية كما ان المجلس الاعلي يضم في عضويته المستشار ممدوح مرعي وزير العدل والذي هو احد أعمدة النظام البائد واحد ابرز المشاركين في مذبحة استقلال القضاء. كما ان نص المادة(88) يتعارض ومضمون الاشراف القضائي علي الانتخابات حيث ان المراد بالقضاء هنا قضاة القضاء العادي والاداري وليس قضاة المجلس الاعلي للهيئات القضائية. سادسا: فيما يتعلق بالمادة(93) نجد انها أوكلت للمحكمة الدستورية العليا مسألة الفصل في صحة عضوية اعضاء مجلس الشعب. وهو مايتعارض ونص المادة(174) من الدستور والتي تنص علي ان المحكمة الدستورية العليا هي هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وهو مايعني ان استقلال المحكمة امر مقرر بنص الدستور وانها ليست جزءا من السلطة القضائية العادية والادارية وانما هي كيان ونظام مستقل بذاته. واذا ما أخذنا في الاعتبار ان عدد اعضاء المحكمة الدستورية العليا17 قاضيا وهو ما يستحيل معه ان يفصل هذا العدد القليل في الطعون الجمة الخاصة بصحة عضوية اعضاء مجلس الشعب وهم في ذات الوقت يمارسون مهمتهم الاساسية بالرقابة علي دستورية القوانين واللوائح والتفسير اللازم للدستور والنصوص التشريعية مما يمثل عبئا علي قضاة المحكمة الدستورية العليا ومن ثم ومن باب أولي ان يتم اسناد الفصل في صحة عضوية اعضاء مجلس الشعب لمحكمة النقض سابعا: فيما يتعلق بالمادة(139) نجد انها اوجبت علي رئيس الجمهورية ان يعين نائبا له او اكثر وكأن اللجنة المكلفة بتعديل الدستور أغفلت الأراء ولم تسمع الأصوات المطالبة بالتحول نحو الديمقراطية من خلال جعل مناصب الدولة بالانتخاب وأن يتم انتخاب الرئيس ونائبه في ذات الوقت فاذا بهم يجعلون مسألة وجود نائب مرتبطة بتعيين الرئيس له. ألم يكفهم ما بالدستور من سلطات شبه إلهية لرئيس الجمهورية لكي يضيفوا له سلطة تعيين نائب له؟ فكفانا تعيين طوال3 عقود ثامنا: فيما يتعلق بالمادة(148) نجد أنها تنص في أحد بنودها علي انه يكون إعلان حالة الطواريء لمدة محددة لاتتجاوز6 شهور وبإمعان النظر في نص المادة السابقة نجد أن مدة6 شهور هي مدة كبيرة جدا وكافية لأن يتمكن الرئيس فيها من القبض علي معارضيه ومن إقصائهم وحبسهم بموجب حالة الطواريء تاسعا: فيما يتعلق بالمادة(189) نجد أنها نصت علي أن لرئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء ولنصف أعضاء مجلسي الشعب والشوري الحق في طلب وضع دستور جديد للبلاد. وهي بذلك أغفلت حق الشعب في انتخاب جمعية تأسيسية نيابية يناط بها مهمة وضع الدستور الجديد وأوكلت هذه المهمة الي البرلمان بمجلسيه وهو مايتعارض مع المادة(3) من الدستور والتي تنص علي أن السيادة للشعب وحده وأن الشعب هو مصدر السلطات.