لا تزال التعديلات الدستورية الأخيرة محل جدل, وخلاف كبير, لاسيما أن ثوار التحرير, وفقهاء القانون الدستوري. وحتي قطاعات مختلفة من الرأي العام, يرون أن التعديلات جاءت باهتة, ومتناقضة, ومتصادمة مع نصوص أخري في الدستور, كما أن الدستور نفسه سقط بالشرعية الثورية, وبالتالي ما كان يجب ترقيعه, وإنما كان يلزم تعديل الدستور بالكامل! المهم.. صدرت التعديلات الدستورية, وتركت وراءها العديد من التساؤلات: فما الفائدة من تعديل دستور ساقط بالشرعية الثورية.. وكيف يتم تعديل بعض المواد في الدستور, وتجاهل مواد أخري, ولماذا لم يتقرر تعديل الدستور بالكامل, ولدينا جيش من فقهاء القانون الدستوري الذين يستطيعون إنجاز مهمة إصدار دستور جديد خلال شهرين فقط؟ وبشكل عام اختلف الكثيرون علي التعديلات الدستورية, فمنهم من رأي أن التعديلات الأخيرة ليست كافية, أو الشرعية الثورية أسقطت الدستور بالكامل,مما يستلزم تعديله بالكامل, في حين رأي البعض الآخر, أن التعديلات الأخيرة منقوصة, وتجاهلت بعض الأمور, كما أن التعديلات تتناقض مع نصوص أخري سواء في الدستور, أو في القانون بشكل عام.. وقد انتهت اللجنة من إقرار التعديلات, غير أن حالة من الجدل, والرفض لا تزال تسيطر علي الشارع المصري, وخبراء القانون, ففي رأي الدكتور إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق جامعة القاهرة- فإن دستور1971, قد سقط بسقوط النظام بأكمله طبقا للشرعية الثورية المستمدة من ثورة25 يناير, ومن الناحية العملية الواقعية, فإن السلطتين التنفيذية والتشريعية, قد تركزتا في المجلس الأعلي للقوات المسلحة, برغم عدم تقنين هذا الوضع, ومع ذلك فإن التعديلات جاءت باهتة, ومتناقضة, ومتصادمة مع نصوص أخري في الدستور, أما رؤيتي للتعديلات الدستورية, فتتضمن ما يلي: أولا بخصوص المادة76 في بندها الأول, والتي تقترح أن يزكي المرشح للرئاسة30 عضوا من البرلمان بمجلسيه الشعب والشوري, أو حصول المرشح علي تأييد30 ألف مواطن, وأعترف بأن هذه التعديلات أزاحت القيود الغليظة التي كانت مفروضة علي الترشح للرئاسة, ولكن جميع ما استنه, أو اقترحته من تعديلات مستقي تماما من المادة76 قبل تعديلها, وآية ذلك أنها نصت في أحد بنودها,علي أن تتولي لجنة قضائية تسمي لجنة الانتخابات الرئاسية الإشراف علي انتخابات رئيس الجمهورية, وتشكل هذه اللجنة من رئيس المحكمة الدستورية العليا.. الخ.. والخطير للغاية ما جاء في هذا البند من أن قرارات اللجنة نهائية, ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق, وأمام أي جهة, كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ, أو الإلغاء, كما تفصل اللجنة في اختصاصها, وهو ما يتصادم مع المادة68 من الدستور, والتي كفلت حق التقاضي, وأنه لكل مواطن حق الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي, ويحظر النص في القوانين علي تحصين أي عمل, أو قرار إداري من رقابة القضاء. وهنا نؤكد أن قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية متصادمة مع حق التقاضي حتي لو تم دسترتها في ذات المادة76 بعد تعديلها, فالدستور هو القانون الأسمي في الدولة, ويجب أن يكون قدوة لسائر القوانين. أما التعديلات الخاصة بالمادة88 فقد نصت في نهايتها, علي أنه يجري الاقتراع والفرز تحت إشراف أعضاء من هيئات قضائية يرشحهم مجلسها, وهذا خطأ, لان الإشراف القضائي مضمونه أن يتولي قاضي المنصة, القاضي الذي يفصل في المنازعة, وهو تحديدا القضاء العادي, والإداري والدستوري من جهة أخري, فقد اقترحت التعديلات الدستورية الجديدة عرض مشروع قانون الانتخابات الرئاسية علي المحكمة الدستورية العليا قبل إصداره, وهذا توريط للمحكمة الدستورية العليا, وفهمت منه في نص سابق أن المشرع أضاف إليها اختصاصا بالرقابة المصدقة, وهذا خطأ جسيم. وجاء في تعديلات المادة93 والكلام للدكتور إبراهيم درويش- أن الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب تختص بها المحكمة الدستورية وهذا أيضا توريط للمحكمة الدستورية, فيما يخرج عن اختصاصها بجانب أن اللجنة التي عدلت هذه المادة لم تتعرض للفصل في صحة عضوية مجلس الشوري. وبشكل عام, فإن المادة139, والخاصة بتعيين نائب رئيس جمهورية, كان يجب أن يتم صياغتها بأن تجري انتخابات نائب الرئيس مع الرئيس في ورقة واحدة, أما المادة148 فمعيبة, وهي ضد الشرعية, لأنه يجب إلغاء قانون الطواريء, وليس إنهاء حالة الطواريء فقط, لان قانون العقوبات تم تعديله, ونص علي جميع الجرائم التي تضمنها قانون الطواريء الذي هو في الأصل قانون الأحكام العرفية الذي أصدره الاستعمار الإنجليزي في عام1914. فيما ركزت المادة189, علي وضع دستور جديد في مشيئة وإرادة مجلسي الشعب والشوري, بأن ذكرت أنه يتم اختيار لجنة تأسيسية منهما, بمعني انتخاب اللجنة علي درجتين, وهذا خطأ في الصياغة, وفي الأسلوب, لأنه مضاد لإرادة الشعب الذي يجب أن يتولي هو اختيار الجمعية التأسيسية أو اللجنة التي تتولي وضع دستور جديد للبلاد, ثم يعرض علي الاستفتاء فيما بعد. وبشكل عام, فإن الدكتور صلاح الدين فوزي رئيس قسم القانون الدستوري بحقوق المنصورة, يري أن شروط انتخاب رئيس الجمهورية مقبولة جدا, إلا أنني كنت أتمني أن يوضع حدا أقصي لسن المرشح.