حذر خبراء اقتصاديون من ارتفاع قيمة العجز في الميزان التجاري نتيجة تراجع حجم الإنتاج المحلي مقابل زيادة الاعتماد علي الاستيراد, خاصة مع انخفاض عائدات نشاط السياحة وقناة السويس بما أثر سلبيا علي الفجوة بين الصادرات والواردات. وأكدوا ضرورة مضاعفة أداء عجلة الإنتاج لتقليل فاتورة الواردات والحفاظ علي استقرار الأسعار المحلية ومخصات الدعم, ويأتي علي رأس الأولويات الاهتمام بالقطاع الزراعي لتخفيض حجم السلع الغذائية التي تشكل أكبر نسبة من الواردات. وذكر الدكتور محمد رئيف, أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة, أن الاقتصاد المصري يعاني عجزا متفاقما في الميزان التجاري, حيث تزداد الفجوة بين الصادرات والواردات ما يزيد من حجم المدفوعات ويؤثر سلبيا علي الانفاق العام. قائلا إن هذه المشكلة تعتبر مزمنة ومستمرة بسبب انخفاض حجم الإنتاج المحلي واعتمادنا علي استيراد المنتجات من الخارج إلا أنها معرضة للتفاقم نتيجة توقف عجلة الإنتاج خلال أيام الثورة المصرية وما تلاها من احتجاجات يومية وفئوية أدت إلي توقف عجلة الإنتاج وهو ما أثر علي انخفاض حجم السلع المصدرة للخارج حتي السلع السيادية منها كالبترول والغاز نتيجة تعطل حركة النقل البرية والبحرية. لذلك فمن المتوقع أن يصل ارتفاع ميزان المدفوعات إلي حدود غير مسبوقة مقابل انخفاض الايرادات خاصة إذا علمنا أن حجم العجز في الميزان التجاري قبل أحداث ثورة25 يناير وصل إلي25 مليار دولار نتيجة استيراد سلع مختلفة استهلاكية ووسطية ورأسمالية بمبلغ49 مليارا دولار في حين أن تصدير المنتجات المصرية لم يتجاوز24 مليار دولار شاملة صادرات الغاز والبترول, وقال إن عدم استقرار المناخ الاقتصادي يؤدي إلي تراجع الإنتاج وتعطيل الطاقة الإنتاجية وهو ما انعكس علي حجم وقيمة الصادرات حتي مع توافر أسواق خارجية في أمريكا وأوروبا, قائلا إن اتفاقيات التصدير للاتحاد الأوروبي كانت سيئة الحظ مع حدوث خلل في مواعيد الصادرات بسبب تقلص حركة وسائل النقل. وتوقع رئيف تراجع معدلات النمو مع زيادة الحجم في عجز الميزان التجاري بحيث تصل إلي نسبة تتراوح بين3 و3.5% ذلك فمن الضروري تهيئة المناخ الاقتصادي خلال الفترة الحالية لزيادة جذب الاستثمارات المباشرة التي انخفضت إلي1.5 مليار دولار بعد الأحداث الأخيرة لأنها ستساعد علي تدوير عجلة الإنتاج والمساهمة في توفير فرص العمل. وأكد رئيف ضرورة عودة الأمن للشارع المصري لتأمين الممتلكات العامة والخاصة وتشجيع السوق المصرية مع مزاولة نشاطها الطبيعي. وطالب د.عبدالرحمن عليان, أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس, بضرورة وضع خطة اقتصادية عاجلة تركز علي الإنتاج الوطني لاحلال المنتجات الوطنية محل الواردات ويأتي علي رأس أولوياتها الاهتمام بالقطاع الزراعي لتخفيض حجم السلع الغذائية التي تشكل أكبر نسبة من الواردات خاصة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن, وأضاف أنه ليس من الضروري أن يحدث تعادل بين الصادرات والواردات طالما تحققت الزيادة في الدخل القومي. ولفت عليان إلي ضرورة العمل علي رفع قيمة الجنيه المصري الذي تراجع أمام العملات الأجنبية خاصة مع اتجاه المستثمرين إليها بعد تراجع الاقتصاد المصري, موضحا أن ارتفاع الدولرة أمام الجنيه المصري بهذه الصورة المضاعفة يؤدي إلي رفع قيمة الواردات بما يؤثر علي الأسعار المحلية لذلك من الضروري تشجيع الاستثمارات الأجنبية في مصر لأنها ستتعامل بالعملة المصرية إضافة إلي زيادة الإنتاج المحلي لرفع قيمتها, لافتا إلي ضرورة ضبط حركة العمل من خلال عودة الثقة بوعود حقيقية تعمل علي تهدئة الاحتجاجات اليومية التي تعطل أداء الاقتصاد المصري. من جانبه اعتبر حسن عبيد, أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية, أن العجز في الميزان التجاري من الممكن أن يكون ظاهرة صحية إذا كانت معظم الواردات وسيطة كالآلات والمعدات الصناعية. أما إذا كانت معظم الواردات استهلاكية سواء استهلاكا شخصيا أو حكوميا فإنه سيؤدي إلي زيادة المديونية واستمرار العجز. أما إذا أدي استيراد السلع الوسيطة كالآلات والمعدات إلي عجز في سبيل الاستثمارات الجديدة فإنه لا بأس به, مشيرا إلي أن العجز خلال السنوات السابقة كان نتيجة اعتمادنا علي سلع استهلاكية, لذلك لابد من تغيير هذه السياسات في سبيل زيادة الإنتاج المحلي الزراعي والخدمي, وهو ما يقتضي مراجعة السياسة المحصولية والصناعية بحيث يمكن أن نوائم بين الصادرات والواردات. ويري الدكتور أشرف العربي الخبير الاقتصادي أن تراجع قطاع السياحة وعائدات قناة السويس أثر سلبيا علي خفض العجز في الميزان التجاري, وبالتالي من المتوقع ارتفاع أسعار الصرف مقابل الجنيه المصري وارتفاع فاتورة الواردات ومخصصات الدعم, لذلك من الضروري عودة الحياة الطبيعية للاقتصاد المصري بل مضاعفة أدائه لتحسين الإنتاج المحلي وترشيد الاستيراد لأن تحقيق فائض الميزان التجاري دليل علي صحة الاقتصاد المصري.