أولي الرئيس السيسي قضية سد النهضة اهتماما خاصا, وكانت علي رأس اهتماماته فور توليه للسلطة رسميا في يونيو2013 وأوضح بجلاء ان له اتجاها واضحا وطريقة مختلفة في الاقتراب من هذه الأزمة الشائكة ومحاولة علاجها. وقد تأكد ذلك في اجتماعه برئيس الوزراء الإثيوبي في أول قمة أفريقية يحضرها في مالابو والتي تمخض عنها البيان المشترك المعروف باسم إعلان مالابو في30 يونيو2014 والذي تضمن7 نقاط أو مبادئ أساسية تمت صياغتها بشكل معقول ومتوازن. وقد قبلت إثيوبيا شكلا هذا الإعلان ولكنها عادت كعادتها للتنصل منه باعتباره بيانا رئاسيا( غير موقع) الأمر الذي استدعي العمل علي إعداد إعلان آخر تم توقيعه في الخرطوم في مارس2015 من الرؤساء في مصر والسودان وإثيوبيا..وليس الغرض هنا مناقشة إعلان المبادئ..إذ انه بحكم المسمي والمضمون لا يمثل اتفاقا بل هو مبادئ يتم الاسترشاد بها لحل الخلافات القائمة والتي تمثل إضرارا جسيما بمصالح الأمن القومي المصري, وهذه المبادئ كما هو معروف تحتاج الي تنزيلها في اتفاقات محددة وواضحة تحمل التزامات متبادلة علي عاتق الأطراف الموقعة, وهو أمر لم يحدث حتي الآن..ومن غير المتوقع حدوثه طبقا لمعطيات المفاوضات الحالية. ولكي نصل الي المضمون الذي نريد توضيحه, دعونا نلقي نظرة علي المشهد العام وهو كالتالي:مصر تعلن علي لسان أعلي سلطة فيها انها تسعي للتعاون وتبذل جهودا مكثفة بما فيها خطاب الرئيس السيسي في البرلمان الإثيوبي وتأكيده علي اختيار مصر للتعاون, ولكن الواقع العملي علي الأرض وردود أفعال الطرف الإثيوبي توضح انه حتي الآن وبعد مضي عشرين شهرا, فان الحصيلة بالمعني الحرفي للكلمة هي( صفر)..إذ تراوغ إثيوبيا لشراء الوقت وتستخدم هذه اللقاءات والاجتماعات المتطاولة في جدل سفسطائي وقضايا إجرائية لا نهاية لها, في الوقت الذي تتسارع فيه معدلات البناء بهدف إضفاء الشرعيتين السياسية والقانونية علي ما تقوم به من إضرار متعمد لإيذاء مصر..وأن تبدو أمام العالم دولة وديعة ومتعاونة وتجلس للتفاوض في حين أنها تتحاشي بإصرار تقديم اي التزام محدد من اي نوع..ولا ينفع هنا محاولات التزويق التي تقوم بها وزارة الخارجية بأننا لأول مرة نحصل علي التزامات من إثيوبيا في إعلان مارس, لأن مثل هذا القول من الناحية الواقعية يدخل في باب التلبيس والتدليس. يا سيادة الرئيس..لقد بذلت جهودا خارقة لتغيير الصورة السلبية التي أساءت لمصر والتي صنعتها التصرفات الرعناء للإخوان وأزلامهم, وأثبت للعالم ان مصر قوة تعاون وسلام وبناء.. وكان هذا مفيدا ومطلوبا وضروريا..ولكن هذه الفائدة محكومة بقانون تناقص المنفعة الحدية, فعدم استجابة إثيوبيا ومراوغتها وخداعها المستمر, والتصرف بطريقة تحمل الكثير من الاستخفاف والاستعباط والابتزاز..أمر يحتاج إلي وقفة. السيد الرئيس: ان الهدف من التفاوض هو تقليل الضرر..ولكن السد أوشك علي الاكتمال دون التقدم ولو نصف خطوة, فما هي الفائدة التي نجنيها؟..وإذا كان السد سوف يكتمل في كل الأحوال دون اتفاقات ملزمة ومحددة فلماذا نساير إثيوبيا في خداعها؟.. إن إيقاف هذا المسلسل العبثي لا يعني انك قد فشلت.. ولا يعني أيضا الذهاب الي الحرب, بل يعني أن مصر ترفض هذا السلوك الإثيوبي وسوف تقاومه بكل الوسائل القانونية والدبلوماسية وسوف تتجه لاستراتجية متوسطة المدي لاستعدال هذه الأوضاع المائلة ولردع إثيوبيا من تكرار ما تفعله الآن.. وهذا أمر ليس صعبا وليس بعيد المنال إذا انعقدت إرادة مصر للدفاع عن حق شعبها في الحياة كما ذكرت أنت مرارا وتكرارا في خطاباتكم لإثيوبيا وللعالم.