يتردد كل فترة علي مسامعنا عبارة تجديد الخطاب الديني وضرورة ذلك ويتم طرح أسئلة حول كيفية تحقيق هذا الهدف, وعن المنوطين بتحقيقه, حتي إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أولي اهتماما بهذه الفكرة, فتم عقد مؤتمر في يوليو الماضي حضره عدد كبير من مشايخ الأزهر والأوقاف وعدد من المثقفين, لطرح أفكار يتم صياغتها لتصبح وثيقة لهذا الخطاب. لكن بعد مرور هذا الوقت هل هناك جديد علي أرض الواقع وما هي أبعاده, خاصة أنه في الوقت الذي عقد فيه المؤتمر اعترض المشايخ علي مشاركة المثقفين في هذا الأمر, لذلك طرحنا تلك الأفكار علي عدد من المثقفين للوقوف علي مفهوم مصطلح التجديد ومنهجيته, ومشاركتهم في تحقيقه. أزمة المصطلح في البداية قال الكاتب د. أحمد الخميسي إن لدينا سيولة في المصطلحات الثقافية فهي غير محددة المفهوم مثل مصطلح التنوير وهو عام ويمكن لكل شخص ان يفهمه ويوجهه كيفما شاء, وتجديد الخطاب هو مصطلح عام وغير محدد, علينا أولا أن نضع ملامح الخطاب الديني الذي نريد تجديد, فالمصطلح المطروح لا يتضمن الخطاب الجدير بالتجديد, هل التجديد في نظرة الدين الشعبية للمرأة, أم تجديد النظرة الرسمية للفقر والثراء فما هو الموضوع الذي نريد أن نعالجه, فهذه الحالة تشبه تشخيصا طبيا لمريض لا نعرف مرضه, فما مواضع المرض في الخطاب الديني لكي نعدلها, لذلك من الصعب ان ينجح التجديد, لهذا اسلام البحيري تحرك من خلال فهمه للمصطلح بان ينقب في أراء التراث الديني. وأضاف الخميسي لذلك فإن المصطلح يحتاج الي تدقيق أولا, ولا يمكن أن نعهد إلي صاحب هذا المريض ان يجري العملية الجراحية بنفسه, أي أن يستأصل الأزهر الأجزاء التي لا تتواءم مع روح الدين, فبخصوص تجديد الخطاب الديني الأزهر يساهم في هذا الشكل كمؤسسة تقليدية يميل للأخذ بما هو متبع وموروث وتقليدي. فيما يميل المثقفون للإمساك بروح الحق والدين نفسه كما يفعل الشعب المصري صاحب مقولة ربك رب قلوب لذلك لن نعهد للأزهر فقط في تجديد الخطاب لانه ليس ملكا له وحده, فهو للمسلمين جميعا ومن حق المثقفين والشعب ان يديروا هذا النقاش ويشاركون فيه, فالأزهر ينظر للأعمال الإبداعية بنظرة دينية فيحاكم العمل الادبي بمفاهيم دينية وهو لا يحاكم الا بقوانين الادب وليس الدين او العلم, وأري أن المثقفين في كل الاحوال يشاركوا بشكل او آخر في تجديد الخطاب الديني من خلال القيم التي يطرحونها من خلال أعمالهم الإبداعية. فلابد من طرح فهم المثقفين للنصوص والسماح بمشاركتهم باعتبارهم مسلمين, الدين يحض علي التسامح والمحبة ومساعدة الآخرين. خطاب ملائم واعترضت الكاتبة سلوي بكر علي هذا المصطلح قائلة لا يوجد خطاب ديني واحد لكن يوجد خطابات دينية متباينة, اي وجود خطابات ديني لدفع المجتمع للتطور وان يكون وسيلة لإحداث تغيير في هذا العصر الذي نعيشه وبمجتمعنا, فدائما ما كان لدينا خطابت دينية, فمثلا في فترة عبد الناصر لما قلنا اشتراكية أتوا بأحاديث توافق الفكرة, وعندما جاء السادات والانفتاح استشهدوا بالآية الكريمة ورفع بعضكم فوق بعض درجات, لذلك يجب ان نعرف الحالة اولا التي نريد ان نكون عليها لنحدد شكل الخطاب. وأضافت: الدعوة لتجديد الخطاب الديني منهجيا خاطئة فيوجد خطاب ديني ملائم للفترة الحالية يجعلنا مجتمعا متطورا يعيش علي مبادئ انسانية موجودة في كل العالم, لذلاك لا أري أن هناك سببا لوجود معارك او خناقات أو سجن لبشر لأنه يقول رأيه, فالأزهر مؤسسة خلقت اثناء العصر الفاطمي ولان الاصل في القرآن ان الخطاب الرباني موجه للناس جميعا دون تفضيل جنس علي جنس, فليس التجديد حكرا علي الأزهر. واجبا لكل من يفكر وقال الكاتب سعيد الكفراوي إنه من المؤمنين بأن مصطلح الخطاب الديني ينتمي للبشر هؤلاء البشر الذين طوعوا اللغة ونحتوا المصطلح حتي يميزوا بين الخطاب الإلهي والخطاب الانساني. لقد شاع مصطلح الخطاب الديني في الثقافة العربية مواكبا المتغيرات التي حدثت عبر السنوات الأخيرة ويواجه الردة وفكرة العودة إلي الماضي واستدعائه. إن اجتهادا في الخطاب الديني في النهاية هو للتعبير عن متغيرات الحياة إلا انه إنتاج بشري يدل علي البشر وعلي انتمائهم للسياسة وللاجتماع وللثقافة, ولأنه في الأول والآخر جهد بشري لذا يختلف من مفكر إلي آخر كل حسب ثقافته وانتمائه, ولأن الدين في النهاية عقيدة لجماعة تؤمن به وتفكر له وتعمل علي فهمه, لذا وجهة هذه الجماعة خطابها عبر هذا الدين, واحتكرت التعبير عنه داخل المجتمع. وقالت سواء كان الأزهر أو جمعيات المجتمع المدني الدينية أو تيارات السلف المهتمة بالخطاب الديني. العام تظن أنها مسئولة عن الحماية والدفاع عن إنتاج هذا الخطاب الديني فإنه يستلزم التنبيه أن الخطاب الديني في النهاية واجب لكل من يفكر عبر الثقافة, أو من أصحاب الرؤي الفاعلة في ادارة المجتمع والاجتهاد مفتوح علي الاحتمالات في منظومة القيم. وفي النهاية تظل الاستنارة حريصة علي الوقوف ضد الفكرة المروعة والتي اضرت كثيرا بمشروع التقدم في بلادنا, وهي توظيف الدين في السياسة مواجها اركان الدولة المدنية واختياراتها الحديثة, وتحقيق قيمها القادرة عن إدراك العدل وحرية التعبير. حرية التفكير هي الحل وأضاف الشاعر عبد المنعم رمضان أن المؤسسة الدينة في مصر هي الأزهر وفي الحقيقة يجب ان نراها بصورة صائبة قبل ان نفكر في تجديد الخطاب الديني. فتاريخه يدلنا علي انه احد اجهزة الدولة الايدلوجية بمعني آخر هو ليس مؤسسة دينية لكنه جهاز ايديولوجي يعمل بالدين, وهو بالتالي طوال عصوره جميعها منذ الفاطميين حتي الآن يعيد تكييف الدين حسب توجهات السلطة الحاكمة, وهذا يعني أننا لا يجب ان نشغل انفسنا بتجديد الخطاب الديني عن طريق مؤسسة الأزهر, فشيخ الأزهر احد رجال الدولة الكبار, وشيوخ الأزهر الذين نمتدحهم هم من يتفقون مع ايدلوجيتنا التي نعتقدها, لكنهم جميعا كانوا بعض عمال النظام, لذلك تجديد الخطاب الديني ليس عن طريق الأزهر بل عن طريق حياتنا اليومية بان نفتح سماء هذه الحياة لكل الافكار والتوجهات دون هذه الحرية الكاملة لن يكون هناك تجديد للخطاب الديني سيكون هناك مشروع دائم تقوم به السلطة لاستخدام الدين لحسابها باسم تجديد الخطاب الديني. وأوضح عبد المنعم عندما كان د.جابر عصفور وزيرا للثقافة في وزارته الثانية واصطدم بالأزهر قابلته وقلت له ليتك توقفت, فالنظام في مصر الآن يخوض معركة مع بعض التيارات الدينية الاخوان وغيرهم وهو مجبر علي ان يكون له ظهير ديني حتي لا يظهر أمام شعبه علي انه ضد الدين والظهير الديني. هو الأزهر لذلك كانت معركة خاسرة, والحل في الحرية والديمقراطية.