قد يري البعض أن علي المرء أن لا يقف عند ما حققه في الماضي من إنجازات وأن ينطلق نحو المستقبل ليحقق المزيد من الإنجازات والنجاحات. ولكن ذلك القول يعوزه الدقة فهو وإن كان يحث الإنسان علي أن لا يركن إلي ما حققه في الماضي حتي لا يعطله ذلك عن المستقبل..إلا أن الماضي بمعني التاريخ يعد حافز ومصدر استلهام لإيقاظ العزائم وإشعال جذوة الأمل في النفوس..كما أنه يولد الثقة في النفس كما يعد بمثابة معمل الاختبار الذي يلجأ إليه الإنسان ليري كيف تسير أمور الحياة وأن الفشل ليس نهايتها..بل هو بداية لبدء رحلة أخري ومحاولة من المؤكد سيكتب لها النجاح..لذلك فإننا لابد وأن نتوقف أمام انجازاتنا التاريخية الاعجازية التي كانت درب من المستحيل ولا تتوافق مع المنطق الطبيعي للإنسان وعلي الرغم من ذلك يصبح المستحيل واقعا. معركة أكتوبر هي معركة المستحيل التي أثبتت كغيرها من المعارك التي يطلق عليها المؤرخون والمحللون السياسيون نقاط تحول أي أنها تغير وجه الحياة علي نحو غير متوقع وأن ما بعدها يختلف تماما عن ما قبلها وأنها تغير وجه الحياة وتفاصيلها وتقود إلي مرحلة جديدة تماما. ذلك ما حدث في العديد من المعارك التاريخية التي لا نجد لها تفسيرا منطقيا يتوافق مع معطيات العقل ولكنها حدثت بالفعل وكان لها ثمارها..فهناك معركة عين جالوت الحاسمة التي تمكن فيها قطز ذلك الشاب المملوك من أن يقف في وجه التتار ذلك الجيش الدهري الذي أسقط الخلافة العباسية وسحق كل الدول والممالك التي مر بها في طريقه إلي مصر..ولكنه عند هذه البقعة في أرض مصر توقف وليس ذلك فقط ولكن قطع دابره إلي الأبد كيف حدث ذلك قد لا تجد له تفسيرا يتمشي مع العقل والمنطق وطبيعة الموقف والإمكانيات المتاحة هناك أيضا معركة حطين التي واجه فيها القائد صلاح الدين جيوش أوروبا الجرارة وتمكن من تحرير القدس والاحتفاظ بها ورجعت تجر ذيول الهزيمة..تضاف اليها معركة أكتوبر1973 التي كسرت صلف الجيش الإسرائيلي وحطم المصريون أقوي مانع مائي في العالم وهو خط بارليف الذي إنهار تحت أقدامهم وقد أعادت الكرامة لشعب مصر والدول العربية..لقد كانت ملحمة عسكرية يصعب تصورها وأن ما حدث فيها يفوق قدرات وإمكانيات البشر الطبيعية وقد شكلت هذه المعركة خبرة تاريخية بل إن شئت الدقة عقدة نفسية كبيرة لديهم حتي الآن وهم يخشون أن يتكرر ما حدث في1973 مرة أخري..ان مثل هذه المعارك هي بمثابة تحديات كبيرة وأزمات عنيفة وهي اما أن تقضي علي الشعوب وتهدم الدول وتقوضها وإما أن تكون بمثابة محفز كبير لها فتهب لمواجهتها وفي هذه الحالة فهي في حاجة إلي أن تستلهم ماضيها ومعاركها الحاسمة فتكتشف مصادر قوتها وتأتي استجابتها علي نحو مذهل وبذلك تصنع مرحلة جديدة في تاريخها فكما قال أرنولد تونبي ذلك العالم في نظريته المعروفة التحدي والاستجابة.. أي أن التحديات الكبيرة هي التي أدت إلي بناء الحضارات العظيمة فقد كان تحدي فيضان النيل هو السبب وراء تشييد الحضارة الفرعونية الرائعة..لذلك فإن روح أكتوبر نحتاج الي استلهامها وإلي أن نجتر عليها ونحن نواجه هذه التحديات الكبيرة التي يتوقف عليها ليس فقط مستقبل مصر ولكن مستقبل المنطقة العربية. وعلي رأسها بالقطع خطر الإرهاب المدمر وقد كانت مصر هي الدولة الوحيدة التي أعلنت الحرب علي الإرهاب وهي واثقة بما لديها من روح القوة علي الانتصار كما فعلت من قبل. [email protected]