بمناسبة ذكري أكتوبر التي تعد أحد منعطفات التحول في تاريخ شعب مصر.. تلك المعركة التي في مراتب المعارك التاريخية المعجزية الفارقة في حياة الشعوب والأمم, والتي غيرت وجه الحياة, مثل معركة حطين التي انتصر فيها صلاح الدين علي الجيوش الأوروبية التي جاءت تحت راية الصليب, وكذلك معركة عين جالوت التي قطع فيها دابر التتار إلي الأبد, في هذه الرقعة الصغيرة أوقف ذلك الجيش التتري أو الدهري الذي اجتاح جميع الأمم في طريقه, هكذا كانت معركة أكتوبر التي فرضها الجيش المصري علي الإسرائيليين, وأسقط نجمة داود عند الظهيرة, وقضي علي أسطورة الجيش الذي لا يقهر, والخط السابع الذي لا يعبر, لذلك كانت عبورا بكل ما تعنيه الكلمة: عبور مائي تمثل في تحطيم تلك التحصينات القوية التي قيل إنها لا تعبر, وإنها تحتاج إلي قنبلة ذرية, وكان عبورا معنويا عبرنا فيه من اليأس والهزيمة إلي القوة واستعادة الثقة بالنفس.. كانت معركة الإيمان في الثقة بالله, فكانت في دائرة المعجزات. من هذه القاعدة واصل الرئيس مرسي خطابه الذي اتسم بالشمولية والثورية, وكان بمثابة خطاب حواري تعاطي فيه مع جموع الشعب, وتواصلوا معه. لم تكن هناك تلك الفجوة المعهودة الرئيس والشعب, ولم تكن تلك العبارات الحماسية التي يتم تحضيرها من قبل, وتلك الفقرات والمقاطع التي يكتبها المتخصصون الذين من المؤكد يضفون عليها من ذاتهم, أو أنها قد تعكس في طيها بعض من ثقافتهم وتوجهاتهم حتي وإن لم يعلن عن ذلك صراحة, حتي وإن حملت الخطوط العريضة لصياغة الخطاب التي عادة ما يوصي بها الرئيس ومن هم حوله, وقد كان من الأمور التي يحاول البعض أن يأخذها علي الرئيس مرسي هو أنه يجب ألا يكتب له أحد خطاباته أو يعد له تصريحاته, وإنما يعتمد علي الارتجالية, وأن ذلك يرجع إلي ثقته بنفسه, وأيضا بالجمهور الذي يخاطبه, فهو يحاول أن تكون كلماته نابعة منه لكي تصل إلي جموع الشعب, فهو يجتمع بهم لا ليتلي علي مسامعهم كلمات وعبارات منمقة ورصينة صيغت صياغة جيدة مرتبة ومسجعة, وتحمل عبارات وشعارات رنانة لكن حديث عفوي ذو لغة رصينة, لا تخلو البلاغة, فالرجل يملك ناصية اللغة العربية ولديه إلمام بالأمور علي أساس علمي لا يمكن لأحد أن ينكره بحكم خلفيته العلمية, وتاريخه العلمي المعروف عنه, ومع ذلك فهو ليس ذلك الخطاب المعد مسبقا والمجهز له والمرتب بالموضوعات, وما هو الوقت الذي يجب أن يستغرقه كل موضوع أو قضية من الموضوعات الرئيسية التي يتناولها ذلك الخطاب, ولكن من المؤكد أن الخطاب في مجمله لم يفقد الصلة بين حلقاته, وكان هناك قدر كبير من الانسيابية وأيضا التواصل والتلاحم مع الشعب كان به قدر كبير من البساطة والصدق الذي لمسه الجميع بساطة قد لا نعهدها في العديد من الخطب السياسية السابقة, وإن كانت تذكرنا بأسلوب الرئيس عبدالناصر في العديد من خطبه, لاسيما تلك الخطب القومية ذات المناسبات الكبيرة مثل خطاب تأميم قناة السويس الذي كان بالفعل تعبير عن مرحلة انتقالية في تاريخ مصر, وانطوي علي تحد للقوي الكبري, وكان بداية لتأكيد عدم تبعية مصر واستقلاليتها, وأنها لن تخضع لأحد, وأن أموالها ملك لها, وأنها هي التي تدير مرافعتها, ولا تقبل من أحد سيادة عليها, الروح نفسها, والمنهج نفسه كانا في خطاب الرئيس مرسي, وإن اختلفت الظروف والأؤضاع, ولكن ما أشبه اليوم بالبارحة. كان الرئيس مرسي يربط ما بين حرب العبور تلك المعركة الفاصلة في حياة مصر, بل والأمة العربية كلها, وما بين ثورة25 يناير من حيث الأثر لكلا الحدثين الكبيرين والفارقين, فثورة25 يناير كانت بالفعل بمثابة عبور كبير.. عبور من اليأس وعدم الأمل في غد مشرق.. عبور من حالة من اليأس والقنوط الذي عشش في قلوب الكثيرين منا في أنه لا أمل في التغيير, وقد أصبحت هناك تلك الحالة من الإحباط, وعدم القدرة علي تغيير الواقع في ظل نظام قوي, ودولة بوليسية أحكمت قبضتها علي كل شيء, كما كان هو الحال قبل حرب أكتوبر المجيدة المتمثلة في حالة اللاسلم واللاحرب أوجه الشبه كبيرة بين الحدثين, وقد كانت هذه هي الأرضية التي بني عليها الرئيس مرسي خطابه الذي لاقي استحسانا وتجاوبا, ولاسيما تلك البساطة التي انطوي عليها, وكلمات الود التي تشيع روح الأسرة الواحدة التي تلغي الرسميات والقيود المعهودة, فحين يحدث معهم لم يخاطبهم بالمواطنين أو السادة والسيدات من تلك العبارات المعروفة, لكن كان يخاطبهم بالأهل والأحباب, مما أشاع روح التواصل والعمق بين رأس الدولة الذي يري أنه واحد منهم, بل وخادم لهم يقطع علي نفسه العهود علانية ولا يتنصل من الواقع, بل يعترف ويقرأ جيدا كل ما يقال عنه ويتقبله دون تذمر, ويعقب عليه في ود وبساطة دون سخرية, وقد بادر في ذلك الخطاب بتقديم كشف حساب مفصل في مدة المائة يوم وما تم إنجازه بالأرقام, وقد تدخل في أدق المساءل والحسابات لكل الموضوعات: القمامة, المرور, ورغيف الخبز, والأمن, والمؤشرات الاقتصادية, وتعرض لأرقام الميزانية وقد سردها ببساطة ضاربا العديد من الأمثال الحية التي يتداولها المواطن العادي وقد خاطبه بلغته وطريقته, وموضحا وشارحا, وقد كان ذلك الخطاب بمثابة نوع من المزيد بالتعريف بالرئيس مرسي والكيفية التي يعمل بها وشخصية الرجل, وكيف أنه يعمل وفق رؤية وخريطة طريق يستقيها من هموم الناس ومشكلاتهم, وهو لم يدخل في خصومة مع أحد علي الرغم من تلك المطالب الفئوية الكبيرة غير المبررة, ولكنه قد أقر بأحقيتها ولكن ذكر بالواجب وما هو عليه الوضع, وإذا ما كان يحتمل ذلك أم لا, كان خطابه دعوة ليسهم الجميع في بناء مصر, فمصر للجميع دون تفرقة وقد رحب بكل فكرة ورؤية تعمل في مصلحة النهوض بمصر والعبور بها كان خطابا مباشرا وبسيطا وعميقا يحمل روح المحبة والشفافية, ودعوة لتصالح جميع القوي السياسية, وتكاتف جهودها لبناء مصر الجديدة.