المؤكد ان الرصيف به شيء ما يؤرق المصريين, قد يؤرقهم لانه موجود فيصبون كل اهتمامهم وجهدهم للقضاء عليه, وقد يضايقهم غيابه فيلعنون اليوم الذي وجدوا فيه أنفسهم مضطرين للعيش في بلد بلا ارصفة. الرصيف كما هو معروف في العديد من دول العالم المتقدم والمتأخر هو مكان مخصص في الشارع لسير المشاة, بحيث يكونون في مكان بعيد نسيبا عن المركبات, ويكون هذا المكان في العادة مرتفعا بعض الشيء عن مستوي الشارع, وبالطبع فإن هذا الارتفاع يخضع لعملية قياس دقيقة, ويتم توحيدها حتي تكون جميع الارصفة علي الارتفاع نفسه. واذا كان البريطانيون انشغلوا في القرن ال17 بحالة شوارعهم, حتي انهم اصدروا سلسلة من القوانين الخاصة بالشوارع والارصفة لضمان حقوق المشاة. ولن اتكلم في هذا الصدد عن حلاوة الارصفة البريطانية وجمالها, او عن شعورك وانت واقف عند ال زبرا كروسينج , او مرور المشاة المسمي الحمار المخطط حيث يتحتم علي السيارات التوقف تماما عند خط معين لحين مرور المشاة! ونعود الي القاهرة في القرن ال21 والتي تكاد تخلو تماما من الرصيف بمعناه المعروف. صحيح هناك ارتفعات خرسانية مبنية علي ارتفاعات متراوحة يطلق البعض عليها ارصفة , لكنها ابعد ما تكون عن ذلك. لقد تحولت الارصقة الي جراجات سيارات, ومقاه بوضع اليد. ويقرر البعض تحوير الرصيف المقابل لبيته الي حديقة غناء ويحيطها بسور عتيد تضطر معه الي النزول الي عرض الشارع. ورغم التصريحات المستمرة لكبار المسئولين وصغارهم حول ازالة التعديات علي الارصفة. وعدم السماح لاحد باقامة اكشاك عليها, او رفع السيارات المتوقفة اعلاها, لكن احدا لا يري بعينيه ازالة هذه التعديات فعليا. كنت من اشد المحبين للمشي في القاهرة, لكني لاحظت بمرور السنوات انه لم يعد هناك مكان للمشي اصلا, وهو ما يضطرني للمشي وسط السيارات المتصادمة, وما ادرانا ما السيارات المتصادمة! وفي حال وفقك الله سبحانه وتعالي الي رصيف اخر, تجد ان الرصيف الواحد به عددا من الاطوال المتباينة. وفي حال كنت مواطنا رياضيا, فإن هذا سيساعدك دون ادني شك. في الحفاظ علي لياقتك البدنية. اما اذا كنت تعاني آلاما في العضلات, او نوعا من الروماتيزم فانت في موقف حرج لانك ستجد نفسك في حيص بيص. اما اذا كان احدنا يعاني اعاقة جسدية ما, فإن المشي في القاهرة هو كابوس دون ادني شك. ومشكلة الرصيف مثلها مثل اي مشكلة في مصر: اهمال وتكبير دماغ وعدم اعتبار المواطن اولوية الا اذا تظاهر واحتج واوشك علي الانتحار( وحتي لو انتحر قد لا يلفت الانتباه) اغلب الظن ان كبار المسئولين لا يضطرون الي استخدام الارصفة, ولا تضطرهم الظروف للمشي عليها, كما انه في حال وجد الوزير او المسئول نفسه في حاجة الي ان يمشي علي الرصيف, فان الرصيف العشوائي المعتدي عليه الذي اوشك علي الانقراض يتحول بقدرة قادر الي رصيف مطابق للمواصفات الاوروبية تماما لكنه سرعان ما يعود الي اصله في لحظة انقضاء رحلة المسئول الكبير. لكني اجد ان مايدعو الي الاسف حقا هو ان الغالبية لم تعد متضررة من احوال الرصيف المتردية. اعتدنا غياب الرصيف من حياتنا! واعتدنا التعديات اليومية المستمرة عليه! ولم تعد تضايقنا او تدهشنا التعديات المستمرة عليه, بل ان كثيرين منا تحولوا من التضرر من غياب الرصيف الي المشاركة في التعدي عليه! الرصيف من الحقوق البديهية لاي مواطن, بل انه يفترض ان يكون رصيفا يحترم آدمية المواطن, ولا يضرب بها عرض الحائط. الحق في الرصيف حق لكل مواطن, فأين ذهب الرصيف؟! [email protected]