تنفيذي الغربية يوافق على تغيير الأحوزة العمرانية لست قرى و12 عزبة    وزير النقل يبحث مع رئيس الوكالة الفرنسية للتنمية التعاون في تطوير البنية الأساسية للسكك الحديدية والجر الكهربائي    الرئيس السيسي وأمير قطر يؤكدان الحرص على وقف إطلاق النار في غزة    تعرف على غيابات بيراميدز أمام إنبي في الدوري المصري    مي القاضي: عاوزه أشتغل مع محمد رمضان والمخرج محمد سامي    لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا.. هل يسبب متلازمة جديدة لمن حصل عليه؟ أستاذ أوبئة يجيب    طريقة عمل عصير ليمون بالنعناع.. يروي عطش الحر وينعش القلب    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    إعلام عبري: حزب الله هاجم بالصواريخ بلدة بشمال إسرائيل    لوقف النار في غزة.. محتجون يقاطعون جلسة بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الأهلي يهزم الجزيرة في مباراة مثيرة ويتأهل لنهائي كأس مصر للسلة    ستبقى بالدرجة الثانية.. أندية تاريخية لن تشاهدها الموسم المقبل في الدوريات الخمسة الكبرى    طليقة قاتل جواهرجي بولاق ابو العلا: «اداني سبيكة 2.5 جرام وسلاسل ل بناته»    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    «التعليم» تحدد موعد امتحانات نهاية العام للطلاب المصريين في الخارج 2024    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    3 ألحان ل حميد الشاعري ضمن أفضل 50 أغنية عربية في القرن ال 21    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    بالأبيض.. لينا الطهطاوى رفقة هنا الزاهد وميرهان في ليلة الحنة    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    رئيس الوزراء يهنيء السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    هيئة سلامة الغذاء تقدم نصائح لشراء الأسماك المملحة.. والطرق الآمنة لتناولها في شم النسيم    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    دورتموند يستعيد نجوم الفريق قبل مواجهة سان جيرمان بدوري الأبطال    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    مدبولي: العلاقات السياسية بين مصر وبيلاروسيا تسهم في دعم التعاون الاقتصادي    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    كراسي وأحذية وسلاسل بشرية.. طرق غير تقليدية لدعم فلسطين حول العالم    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    حمد الله يتحدى ميتروفيتش في التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفي جودة يكتب لالأهرام المسائي: جعلوني قارئا
بين الكاتب المصري والرسالة مصر في مجلة!

ظهرت في مصر في النصف الأول من القرن العشرين مجلات عظيمة عالمية الفكر والمحتوي بكل المقايس تدل علي نهضة صحفية وثقافية وأدبية عملاقة قلما يجود التاريخ بها في أي مكان وكأنها نفحة إلهية من الله بها علي مصر دون الخلق كلهم.
لم يحدث هذا نتيجة ضربة حظ او جزافا بل كان نتيجة مجهودات شاقة وعبقرية وإخلاص وتفان وربيع نهضة فريدة لم تشهدها بلد مثلما شهدتها مصر. الكثير من هذه المجلات سيبقي شاهدا علي قدرة مصر علي الإبداع والتفرد والتميز والعظمة.
من هذه المجلات الكاتب المصري والرسالة والثقافة والرواية والكتاب والمجلة الجديدة ومجلتي وأبلو والفجر والبلاغ الأسبوعي والمقتطف والهلال وعلم النفس والفن والموسيقي والعشرات من المجلات النسائية الرائدة التي سبقت بها مصر أوروبا وغيرها في قضايا المرأة وغيرها كثير في كل مناحي الحياة وآدابها وفنونها وعلومها وفلسفتها ودروبها.
سأركز في هذه المقالة علي مجلتين رائدتين من تلك الآثار القيمة والتي جعلت مصر منارة عصرها ومركز نهضة للعرب جميعا, بل للعالم الإسلامي قاطبة.
قد تكون مقولة الناقد العبقري المرحوم رجاء النقاش تشخيصا عاما لتلك المجلات والني كتبها في مقال بصحيفة الأهرام بتاريخ17 ابريل2005 قال فيه واصفا مجلة الكاتب المصري التي كان يرأس تحريرها عميد الأدب الدكتور طه حسين:
لقد بحثت في مجلة الكاتب المصري من أول عددلها الي آخر عدد ومجموع أعدادها إثنان وثلاثون عددا فلم أجد في هذه المجلة كلمة واحدة تمس وطنية طه حسين وعروبته ومكانته كرائد للثقافة العربية الحرة المستنيرة في العصر الحديث,بل إن المجلة مليئة بالنقد للإستعمار في كل مكان من الأرض العربية,أما مستوي المجلة الثقافي فقد كان مستوي رفيعا جدا وليس من المبالغة القول بأن هذه المجلة كانت هي أعلي ما وصل إليه الجهد الثقافي العربي في ميدان المجلات الثقافية من وضوح وإتقان وفتح لعشرات من النوافذ الجديدة في الثقافة العربية وعلي الثقافة العربية. والمجلة بأعدادها الإثنين والثلاثين تمثل جامعة ثقافية فكرية علمية كبري ولو قرأها قاريء بعناية وإتقان وإستيعاب لأصبح وكأنه يحمل الدكتوراه من أرقي جامعات العالم.
تشخيص لا مبالغة فيه
هذا تشخيص من ناقد فذ وصحفي عظيم وكاتب محترف وتلميذ عصر النهضة المصرية النابه الناقد الوطني الكبير المرحوم رجاء النقاش. هو تشخيص لا مبالغة فيه وأتفق معه بكل جوانحي.
كان العدد الأول من مجلة الكاتب المصري في أكتوبر1945 وكان مكتوبا في صفحتها الأولي والثانية والثالثة تحديد دورها ومهمتها:
اتفقت مجلة الكاتب المصري مع طائفة من كبار الأدباء الأوربيين والأمريكيين علي أن يوافوها بمقالات وقصص تكتب لها خاصة بحيث تنشر لأول مرة باللغة العربية قبل نشرها بأية لغة أخري فيكون قراء هذه المجلة أسبق الناس الي الوقوف علي ثمرات عقول هؤلاء الكتاب
أعقب ذلك في الصفحة الثانية: تنشر دار الكاتب المصري طائفة من الكتب العربية التي قام بوضعها أدبار معروفون كما تنقل الي هذه اللغة أشهر الكتب الأوروبية والأمريكية وتقوم كذلك بتشر الكتب العربية القديمة والمخطوطات.
وجاء في الصفحة الثالثة الإعلان عن جائزة الكاتب المصري:
قررت دار الكاتب المصري التي يشرف عليها الدكتور طه حسين بك من الناحية الثقافية إنشاء جائزة سنوية للقصة قدرها مائة جنيه وهي تدعو الكتاب والمؤلفين إلي الاستباق لنيل هذه الجائزة.
جائزة وأفضل الكتب
وقد أصدرت دار الكاتب المصري ثمان وثلاثون كتابا من مختلف الآداب والثقافات شاملة نراجم وكتابات إبداعية.عبر الإثنين والثلاثون شهراالتي صدرت خلالها المجلة أي إصدار أكثر من كتاب شهربا. هذه الكتب ما زالت من أفضل الكتب العربية والمترجمة في المكتبة العربية فهي تقدم للقاريء العربي أفضل الكتب الغربية والشرقية إضافة إلي الكثير من الكتب الإبداعية باللغة العربية الأم.
أما الجائزة والتي كانت مفتوحة لجميع الكتاب العرب فقد كانت ذات قيمة مادية عالية في زمانها وأهم شيء فيها أنها لم تكن تميز بين المصري وبين أي عربي, وكان كتاب المجلة شرذمة من أفضل ما أنجبت مصر إضافة الي كثير من الكتاب العالميين الذين كانوا يكتبون خصيصا للمجلة, علي سبيل المثال كان كتاب العدد الأول:
طه حسين وأحمد نجيب الهلالي وتوفيق الحكيم ومحمد رفعت وسهير القلماوي وسليمان حزين وعبد القادر القط ومحمد عبد الله عنان وحسين فوزي ومحمد محمود غالي وعزيز فهمي ورنيه برنار ماركيه.
وكان كتاب العدد الأخير من المجلة:
طه حسين ومحمد رفعت وسليمان حزين وعبدالكريم بن ثابت وجان بول سارتر وإبراهيم محمد نجا وسلامة موسي وحسن محمود وعقيل هاشم وهيلديه زالوش ومحمد عبده عزام ومحمود محمود وحمزة طاهر وحسن كامل الصيرفي وهنري برلين وبشر فارس.
كانت المجلة تقدم ملخصا لكل ما ينشر في العالم وتنشر كذلك مراجعات للكتب العربية والعالمية.
فجأة وبدون سابق إعلان توقفت المجلة وكأنها أصيبت بسكتة قلبية مفاجئة ونشرت الأهرام بتاريخ السادس من مايو1948 الخبر المقتضب التالي:
قياسا علي ما كتب الأستاذ رجاء النقاش بأن قراءة الكاتب المصري باستيعاب تعادل الحصول علي درجة دكتوراه. أقول أن قراءة الرسالة بنفس الطريقة تعادل الحصول علي ليسانس وماجستير ودكتوراه مجتمعة شخصيا أنفقت من أكثر من عشر سنين لأجمعها كاملة,ناهيك عن القيمة المادية الت دفعتها. هي بحق أثر ثقافي جليل ومفخرة أبدية وإبداعية لمصر كلها ولأحمد حسن الزيات رحمه الله والذين معه في ذلك المجهود العبقري الفذ علي وجه الخصوص. لقد ساهمن المجلة بحق في إثراء الثقافة العربية وتطويرها ونهضتها. كما أنها كانت الجامعة التي تخرج منها أساطين الشعراء في القرن الماضي والذين عرفهم الناس من خلال صفحاتها الوضاءة.
صدر العدد الأول منها في15 يناير1933 وظلت نصدر أسبوعيا لمدة عشرين عاما بإستدامة منقطعة النظير ولم تنقطع مرة واحدة خلال تلك المدة دلالة علي النفس الطويل والجودة المتيناه في إدراتها. كان كتاب العدد الأول:
احمد حسن الزيات ومحمد عوض محمدواحمد امين وعبد القادر المغربي ووالدكتور علي مصطفي مشرفة وعبدالحميد يونس ومحمد عبدالله عنان والشاعر علي محمود طه والدكتور عبدالوهاب عزام والدكتور أحمد زكي والشاعر جميل صدقي الزهاوي ومحمد مندور وطه حسين ومحمود تيمور وحمد توفيق يونس.
كانت الأمة العربية كلها تنتظرها أسبوعيا بشوق وحب لدرجة العشق. كانت أكثر علوا من سي إ, إن في عصرنا هذا.
ويمكن القول: إن الرسالة كانت أهم دعائم النهضة المصرية والإشعاع الذي أضاء بقية الأمة وعلمها وثقفها وفتح لها المئات من النوافذ علي الفكر العالمي المستنير.
أريد مجلتين كاملتين
منذ سنين زار مكتبتي الدكتور خالد ابو الفضل أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كاليفورنيا- لوس انجلوس وأعرته علي خلاف عادتي السنة الأولي من كل من الرسالة والثقافة لمدة يوم واحد تكريما له ومودة.
عندما ذهبت في اليوم التالي لمنزله في مصر الجديدة لأخذ المجلتين, كنت أحس في طريقي بالخوف عليهما مثل خوفي علي ولد تركته غي عناية آخرين خشية إحتمال أن يكون أصابه مكروه. عندما وصلت وكانت الساعة الرابعة ظهرا فتحت لي والدته الباب وضيفتني وانا في انتظار الدكتور خالد فقالت لي أمه: أيقظته لك لأنه ظل يقرأ ما أعطيته له حتي ظهر اليوم بلا توقف رغم مرضه. عندما أتي قال لي: أريد كلا من المجلتين كاملتين بأي سعر. ضحكت وكدت أستلقي علي قفاي مما قال وقلت له: عفريت مصباح علاء الدين لن يستطيع تحقيق تلك الأمنية لك في فترة وجودك تلك في مصر. أما إن كنت تفكر في حصولك علي نسختي فانسي الأمر. رغم ذلك ولحسن حظه حينها وجدنا له مسخة مصورة كاملة لهما وبأسعار فلكية عند أحد الباعة وقد كانت صدفة نادرة أن يحدث ذلك.ظل الدكتور خالد عاكفا علي قراءتها أثناء أجازته وهو مذهول مما فيها ومذهول لأته لم يفعل ذلك من قبل وهو الباجث العارف الراسخ في العلم والمعرفة. نعم الرسالة هكذا أو تزيد.
معركة أدبية هامة
بها معركتان أدبيتان رائعتان.الأولي بين محمود شاكر وسيد قطب واستدامت أكثر من نصف عام حيث إنضم لكل جانب منهما أساطين مصر فأصبحت المعركة وكأنها حرب عالمية أدبية. المعركة الثانية بين نجيب محفوظ وعباس محمود العقاد لم تدم طويلا بسبب حكمة محفوظ ومعالجته للأمر بعقلانية شديدة وحكمته المعهودة عنه.
كانتمعركة أدبية هامة وأنا أعتبرها إكتشافا كبيرا أتيح لي من خلال قراءة الرسالةبالإمعان الذي أشترطه أستاذنا الكبير رجاء النقاش عندما تحدث عن الكاتب المصري لابد لي من ذكرها هنا لأهميتها القصوي.
تلك المعركة مثل المعاوك الأدبية الكثيرة في النصف الأول من القرن العشرين كان بوسع محفوظ الإنتصار فيها لأنه كان يملك أسلحة الخصوصية والموضوعية والدقة والفاعلية والمعرفة والتمكن والحكمة. ولا بد لي هنا من إلقاء بعض الضوء علي تلك المعركة لأنها كانت نقطة تحول هامة في تاريخ محفوظ نتج عنه إتقطاعه عن كتابة مقالاته وقصصه القصيرة في مجلة الرسالة وغيرها من المجلات في الفترة من أغسطس1945 وحتي تاريخ إغلاق مجلة الرسالة وتوقفها في مارس.1953
الحكاية كالآتي: في عام1945 نشر العقاد كتابا اسمه في بيتي, وكان كتابا عاما ناقش فيه العقاد كثيرا من الأمور مثل الفلسفة والأدب والحياه والعلم والحكمة وكل شيء تقريبا وقارن فيه بين الشعر والقصة وأكد فيه أن الشعر أنفس من القصة لأن الشعر من شأنه أن يجمع المعني الكثير في اللفظ القليل وأن قليل الشعر يحتوي من الثروة الشعورية ماليست تحتويه الصفحات المطولات من الروايات وأن قنطارا من القصة يساوي درهما من الشعر, وأن القصة في معدنها دون الشعر في معدنه, لأن النفاسة هي أن يساوي الشيء القليل ما يساويه الشيء الكثير. وأضاف العقاد رحمه الله: لا أقرأ قصة حيث يسعني أن أقرأ كتابا أو ديوان شعر, ولست أحسبها من خيرة ثمرات العقول.
والحقيقة أن هذا كلام غريب لصدوره من موهبة مثل العقاد في وقت كانت فيه الرواية العالمية هي أميرة الآداب كلها, وكان من كتابها حينها خالدون مثل جيمس جويس وتوماس مان وألبير كامو وفوكنر وهيمنجواي وتنيسي وليامز وكثيرون ممن أثروالفكر والحس الإنساني. وقد أثار نشر كتاب العقاد نقد العديدين حينها وكان ذلك النقد مثل نقد محمد قطب نقدا مجاملا وعتابا رقيقا نشر في رسالة الي محررمجلة الرسالة( العدد632 الرسالة). ورغم ذلك غضب العقاد حينها لذلك النقد ونشر في العدد635 من مجلة الرسالة مقالا عنيفا بعنوان الشعر والقصة.
غير أن محفوظ والذي كان حينها في الرابعة والثلاثين من عمره غضب غضبة مضرية ولم يستطع الصمت لأن العقاد داس له علي كل الأطراف حيث تحدث عن الفلسفة والقصة بكلام غريب وعام ومجحف, ونشر محفوظ في نفس العدد من مجلة الرسالة مقالا بعنوان القصة عند العقاد وكان فيه كأسد هصور يدافع عن عرين هاجمه فيل بشراسة. قال محفوظ ردا علي العقاد: الفن- أيا كان لونه وأيا كانت أداته- تعبير عن الحياة الإنسانية, فهدفه واحد وإن إختلفت كيفية التعبير تبعا لاختلاف الأداة وكل فن في ميدانه السيد الذي لا يباري. ثم أضاف محفوظ قوله: لن يفيد الفن شيئا من تحقيره لبعض أنواعه إلا أن بغضب قوما أبرياء يحبون الحق كما يحبه ويولوعون بالجمال كما يولع به, ويبذلون في سبيل التعبير عنه كل ما في طاقتهم من قدرة وحب.
وإستطرد قائلا: في هذه القضية رأيت العقاد الخصوم يتغلب علي العقاد الناقد. إنظر إليه وقد لاحظ حواريوه في بيتي أن العقاد صغر نصيب القصص من مكتبته فأجابه العقاد قائل: لا أقرأ قصة حيث يسعني أن أقرأ كتابا أو ديوان شعر, ولست أحسبها من خيرة ثمرات العقول. ويضيف محفوظ قائلا: فالرجل الذي لا يقرأ قصة حيث يفضل أن يقرأ كتابا أو ديوان شعر ليس بالحكم النزيه الذي يقضي في قضية القصة, والرجل الذي يلاحظ علي مكتبته صغر نصيبها من القصة ينبغي أن تكون القصة آخر مايرجع إليه في حكم يتصل بها. ويستطرد محفوظ قائلا: المعروف أن النقد ميزان لتقييم الفنون, فكيف يفضل الناقد أحدها علي أحدها؟! وهل تنزل القصة هذه المنزلة عند شخص إلا إذا كان لها كارها وعليها حاقدا! فحكم العقاد علي القصة حكم مزاج وهوي لا حكم نقد وفلسفة.
غضب وتساؤل وصمت
وكان طبيعيا أن يثير ذلك الكلام الدقيق غضب العقاد الذي كان بمثابة فيل الغابة الرباعي الدفع- إن صح التعبير- في مصر في ذلك الحين, لا يقربه إلا هالك. وتدل الحقائق والوقائع أن العقاد غضب وإنقطع عن الكتابة في مجلة الرسالة لمدة تربو علي شهروهو الذي كان يكتب فيها أسبوعيا.غير أن المهم ما حدث لمحفوظ نتيجة ذلك, فإنه لم يكتب أبدا في مجلة الرسالة عقب مقالته تلك أي في الفترة من أغسطس1945 حتي تاريخ توقف مجلة الرسالة في مارس.1953
ويتساءل المرء: مالذي أدي الي ذلك؟. الاستنباط المؤكد أن يكون هذا الكلام الفعال من نجيب محفوظ قد أغضب العقاد فهدد أصحاب الرسالة بعدم الكتابة مرة أخري مما دفع الزيات الي ترضيته علي حساب محفوظ ومنعهمن الكتابة فيها مرة أخري وهو ما أرضي العقاد فيما يبدو ويمكن استنباطه فعاد بعد شهر ليكتب من جديد. أما محفوظ فآثر الصمت والبعد لعلمه أنه قال كلمته للتاريخ.
عندما توقفت الرسالة أحدث ذلك سخطا كثيرا في مصر وكل أنحاء العالم العربي والذي كان ينتظرها أسبوعيا في شغف ومحبة شديدة تتلخص في جملة قالها العقاد بعدها أنه أثناء زيارته لأحد البلدان العربية قال له البعض لو أن السفارة المصرية قفلت في دولتنا لكان أهون من قفل الرسالة!
وقد يكون ما كتبه الأستاذ عادل الغضبان رئيس تحرير مجلة الكتاب الرائعة والتي كانت تصدرها دار المعارف بمصر في عدد أبريل1953 من مجلة الكتاب تحت عنوان كواكب آفلة خير معبر عن فجيعة القفل تلك:
بالأمس خبامن أفق المجلات العلمية والأدبية نور زميلة كريمة هي مجلة الثقافة بعد إذ بقيت نحو ستة عشر عاما تبث أشعة الفكر في نفوس قراء العربية ولقد هممنا أن ننشر الخبر متحسرين علي هذا الكوكب الآفل ولكننا أمسكنا عن النشر لما علمناه أن هناك مساعي تبذل عند بعض رجال القلم في بعث ذلك النجم الخابي ليعود سيرته من الدوران غير أن رجال القلم هؤلاء قد أشفقوا من أن يثقل العبء كواهلهم ومن أن تظلع سوابق أقلامهم في ميادين مملوءة بالشوك والعوسج فأحجموا وآثروا العافية فكان لا بد مما ليس منه بد وهوي كوكب الثقافة وأصبح في ذمة التاريخ.
خمد ضياء النجم
صدم الناس جميعا لتوقف الرسالة بعد رفيقاتها وكان لا بد من إيجاد بديل سريع لتعويض النقص وسد الفراغ الثقافي فصدرت الرسالة الجديدة وكانت مختلفة أشد الاختلاف عن الرسالة. أولا كانت شهرية ولم تك أسبوعية مثل الرسالة. رغم انضمام الكثيرين من كتاب الرسالة إلي الرسالة الجديدة إلا أنها لم تستمر غير خمسة أعوام وانقطعت بدورها ولم تصمد ولم تستطع سد فراغ الرسالة الأصلية.
أستاذ علوم هندسة المواد
الجامعة البريطانية في مصر
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.