ركز الدكتور عماد أبوغازي الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، في افتتاح مؤتمر "شكري عياد .. دوائر الإبداع" الذي أقامته لجنة القصة بالمجلس، علي المطالبة بإصدار الأعمال الكاملة للناقد الراحل الدكتور شكري عياد «1921 -1991»، والتي تضم مؤلفاته وترجماته، علي أن يتزامن صدورها مع الاحتفال بذكري ميلاده التسعين. وقال أبو غازي: "كان شكري عياد يدعو في سنواته الأخيرة إلي مشروع ثقافي متكامل، يتمثل في مجلة فكرية وإبداعية، لكن للأسف حالت الظروف البيروقراطية دون صدروها بالشكل الذي كان يتمناه. واعتبر الروائي خيري شلبي، مقرر لجنة القصة بالمجلس، أن عياد قامة كبري لا تقل عن قامات طه حسين والعقاد، وقال: "تنوع إبداعه واهتماماته من العمل الأكاديمي إلي النشاط الثقافي العام، وحتي تطوير الدراسة الأدبية والمقالة النقدية ومحاولته بناء نظرية نقدية تولد من رحم الثقافة العربية، إلي جانب ترجمة الأدب العالمي، وتكريم عياد يعد واجبًا مصريا وقوميا". وبرر شلبي اقتصار الاحتفال به ليوم واحد قائلا: "اضطررنا آسفين لأن يكون الاحتفال به في يوم واحد بدلاً من يومين، نظرًا لأننا الآن في خضم موسم الامتحانات، وما يتبعه من انشغال الاكادميين بها". ومن جانبها أكدت ابنة عياد الدكتورة هدي علي ما كان لوالدها من آراء مستقلة عن المسلمات المتوارثة، قائلة: "لقد رأي أن القدماء قد أدوا دورهم، وأنه أفضل حالا منهم، لأن ما تكون لديه من معرفة يفوق بمراحل ما كان لديهم". وأضافت: "معرفته بالنفس البشرية جعلته يقول عن التدهور الذي حدث في الشخصية المصرية، أن هذه مرحلة مؤقتة، وأن الإنسان المصري لن يمضي وقتا طويلا حتي يعود إلي سابق عهده، فقد كان متفائلا بالمستقبل في الوقت الذي كنا نحن الشباب نردد فيه لا فائدة". وتابعت: "في عام 1991 وفي احتفال الدولة بتكريم الحاصلين علي جوائزها، ألقي الدكتور شكري عياد كلمة المثقفين، طالب بأن يكون للمثقفين منبرهم المستقل الذي يقولون فيه آراءهم المستقلة، كما هاجم أدعياء الدين في قنوات التليفزيون، وقد قامت ثورة عليهم بعد مقال قصير نشر له بجريدة الأهرام، ولكنها خمدت، وربما لو كان هنا معنا يتابع هؤلاء ما تفشت هذه الظاهرة الآن". رأس الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة الجلسة البحثية الأولي للمؤتمر، وقال: "نحن نعيش عصر الفحول الخمسة، فالدكتور طه حسين كان يقف بمثابة أمة وحده، وقد أتي بعده محمد مندور وعلي الراعي وعبد القادر القط وشكري عياد". وأضاف: "كان لشكري عياد فتوحات أكاديمية في منتهي الجرأة، مثل رسالته للماجستير"آيات يوم الحساب في القرآن الكريم"، ورسالته للدكتوراه "تأثير منطق أرسطو في نشوء العلوم العربية"، وهو صاحب معارك تأسيسية في علمنا الحديث، وقد قال عن لويس عوض ومحمد مندور: "كل منهما سلفي مجدد وإمام في علمه". وتابع: هو مناضل جسور ضد الادعاء والخفة، وكان يدافع عن الوجدان والذوق في النقد، ورغم أنه كتب الشعر والقصة والنقد وغيرها لكن كان التحدي أمامه هو السيرة الذاتية، حينما كان العصر الحديث يقدم الفرد باسمه لأول مرة، وقد كتب (العيش علي الحافة)، وهو لم ينفصل يوما عن دراسة القرآن الكريم. وتحدث الناقد الدكتور خيري دومة عن النوع الأدبي عند شكري عياد، قائلا:" شكري عياد وصف نفسه بأنه ناقد هاوٍ، أي لا يتخذ من النقد حرفة أو مهنة، ولكنه يقوم به لإمتاع نفسه، وقد أسماه مذكرات نقدية، وهو الناقد الذي لا ينطلق من نظريات جافة أو يدرج تحت اتجاهات أيديولوجية معينة، ولكنه يسعي للإجابة عن أسئلة ذاتية متجددة، كما أنه يهتم بالحياة وبالأعمال الإبداعية ومبدعيها وقرائها، وكانت أسئلة من قبيل: ما طبيعة العلاقة بين أنواع الأدب العربي وأنواع الأدب الغربي؟، وما العلاقة بين أنواع الأدب العربية القديمة والجديدة، وما سمات هذه هذه الأنواع؟، هي أسئلة جوهرية في مشوار شكري عياد". وتحدث الناقد الدكتور سامي سليمان عن التصورات النقدية الأساسية لدي شكري عياد وقال: "من تصوراته الأساسية أن النص الأدبي هو نص لغوي، وأنه تعبير حضاري واجتماعي، وأن خصوصية النص العربي تتأسس علي مستوي البنية والنوع الأدبي بالتحاور بين النصوص والأنواع الموروثة من الأدب العربي القديم والجديد و نظيرها في الآداب الغربية الحديثة، وأن فكرة النوع الأدبي أساسية عنده منذ البداية حيث يتشكل النوع من مجموعة من السمات". وتناولت الناقدة الدكتورة أماني فؤاد موقف عياد من تيار الحداثة في مصر والوطن العربي وقالت: "أشعر أنه كان للناقد الكبير موقف محافظ يقترب من الرفض لتيار الحداثة العربي، وقد ظلت هذه الحداثة موضع تساؤل مستمر عنده، يتضمن استجابة لجوهرها ورفضا لعواقبها منذ بداية كتاباته في مقال بعنوان "النقد والمذاهب الاجتماعية" الذي كتبه عام 1959 وضمنه في كتابه تجارب في الأدب والنقد". وفي كلمته نفي الدكتور عبدالسلام الشاذلي، أن يكون شكري عياد قد كتب سيرته الذاتية "العيش علي الحافة" بدافع النرجسية، وإنما بدافع التكريس والحديث عن الحب، ورفض فيها الثرثرة والحشو، وقد ركز في كتابه عن الطقوس علي طقس الملك المقتول كما في أوديب ملكا وطقس الولادة الجديدة. وقال الناقد الدكتور حسام عقل: "شكري عياد أكد بنفسه أن سيرته الذاتية لا تستحق أن تكتب، وقال إنه أسماها بذلك الاسم لأنه أراد تلك الدرجة من الصدق التي تسبق الصمت مباشرة وتقع علي الحافة بين الصمت والكلام". وأكد أن أزمة شكري عياد النفسية قد طرحها بمنتهي الوضوح في صدر سيرته الذاتية وقال: "رغم أن شكري عياد قد اعترف بصعوبة استدعاء كتلة الطفولة في سيرته الذاتية، فإن معظم الكتاب كان حول فترة الطفولة بنزقها ومغامراتها وشبقها، وأكثر المناطق صعوبة كانت تلك التي تتحدث عن الجنس دون الابتزال الذي تجود به المطابع الآن، وكما كان له جرأة في تعرية التجارب الذاتية كانت له جرأة في التعريف بأساتذته، ويمكننا أن نضع هذه السيرة جنبا إلي جنب مع أصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ".