أدرك القادة العرب في قمتهم الأخيرة بشرم الشيخ أن التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي, تتزايد مخاطرها بوتيرة متسارعة لا تحتمل وجود الخلافات والتباينات في المواقف التي كانت سمة تتميز بها العلاقات العربية العربية لعقود طويلة, حتي في ظل انتظام دورية انعقاد القمم العربية. العنوان الواضح لإعلان شرم الشيخ الذي صدر عن القادة العرب في ختام قمتهم ال26 يتركز حول تفعيل التضامن العربي بشكل عملي, بعيدا عن لغة البيانات الختامية التقليدية التي لم يكتب لها التطبيق الفعلي علي مدار تاريخ القمم السابقة, مع الاعتراف بالضرورة القصوي لصياغة مواقف عربية مشتركة في مواجهة التطورات والتحديات الراهنة التي تمر بها المنطقة. تأكيد القادة العرب كان واضحا بخصوص الحديث عن التضامن العربي قولا وعملا, وان ما يجمع الدول العربية بشأن القضايا المصيرية أكبر بكثير مما يفرقها, وهو ما يتطلب العمل علي توطيد العلاقات البينية وتنقية الأجواء العربية. مفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل وبأبعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية, حظي باهتمام خاص من حيث قدرة الدول العربية علي الدفاع عن نفسها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها, أخذا في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة والإمكانيات المتاحة والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية, التي تؤثر علي الأمن القومي العربي. لغة الحسم في إعلان شرم الشيخ فيما يتصل بقضية الأمن القومي العربي ظهرت بشكل واضح في تأكيد القادة العرب عزمهم علي توحيد الجهود, والنظر في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية لصيانة الأمن القومي العربي في مواجهة التحديات الراهنة والتطورات المتسارعة, خاصة تلك المرتبطة بممارسات جماعات العنف والإرهاب, والتأكيد علي الاحتفاظ بكل الخيارات المتاحة, بما في ذلك اتخاذ اللازم نحو تنسيق الجهود والخطط لإنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات ولصيانة الأمن القومي العربي والدفاع عن أمن ومستقبل وطموحات الشعوب العربية, وفقا لميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك والشرعية الدولية. وفي تشخيص للتحديات العربية الراهنة التي تتطلب كما يري القادة العرب- اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي لها, جاءت الأزمة الراهنة في اليمن التي لن تنتهي إلا بانسحاب الميليشيات الحوثية وتسليم أسلحتها ليعود اليمن قويا موحدا, بينما في ليبيا تسعي تدخلات قوي خارجية لتوجيه مستقبل الشعب الليبي, فضلا عن عنف سوريا الذي أنتج تطرفا حولها إلي ساحة لصراعات إقليمية ودولية بالوكالة. ومن المهم الإشارة إلي تضمين إعلان شرم الشيخ تعهدات واضحة من القادة العرب بالوقوف صفا واحدا للحيلولة دون بلوغ بعض الأطراف الخارجية مآربها في تأجيج نار الفتنة والفرقة والانقسام في بعض الدول العربية, علي أسس جغرافية أو دينية أو مذهبية أو عرقية, حفاظا علي تماسك كيان كل دولة عربية وحماية أراضيها وسيادتها واستقلالها ووحدة ترابها وسلامة حدودها والعيش المشترك بين مواطنيها في إطار الدولة الوطنية الحديثة, التي لا تعرف التفرقة أو تقر التمييز. وإذا كانت القضايا السياسية والأمنية سيطرت علي الجانب الأكبر من مناقشات ومداولات القادة العرب إلا أن الملف الاقتصادي الذي لا يقل أهمية عن الملفات الأمنية كان حاضرا في إعلان شرك الشيخ من خلال التأكيد علي أن تحقيق التكامل الاقتصادي العربي هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي, بما في ذلك استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبري, وتحقيق الأمن الغذائي, وكذلك التنمية المستدامة والاستغلال الأمثل للموارد. [email protected]