تعيش محافظاتجنوب مصر هذه الأيام موسم "جنى" قصب السكر أو بلغه أبناء هذه المناطق "أعياد كسر القصب" ومن محافظة سوهاج شمالا حيث مصنع جرجا للسكر إلى محافظة أسوانجنوبا حيث مصانع سكر نجع حمادى ودشنا وفوص فى محافظة قنا ومصانع أرمنت وإدفو وكوم امبو فى محافظة أسوانجنوبا وقبل إشراقة شمس كل صباح يبدأ حراك المواطنين فى غيطان هذا المحصول، ورغم برودة الجو والصقيع المتكاثر على عيدان القصب، فإن الرجال والنساء وحتى الأطفال تراهم وفى شهروا عن سواعدهم. مجموعة تكسر العيدان وأخرى تنظفهامن العفش الملتصق بها وثالثة تحملها إلى مناخ الجمال التى تحملها بدورها إلى غربات "الدوكوفيل" والمقطورات ليقوم آخرون بشحنها فى هذه العربات والمقطورات، والجميع فى حركة دائبة لا تهدأ إلا عندما يؤذن المؤذن لصلاة الظهر، وهنا ينتهى العمل لتبدأ عملية جمع "القالوحة" وهى "زعزوعة" القصب الخضراء التى تقدم طعاما للحيوانات، إن هذه "القالوحة" بالذات هى بغية الكثيرين ممن يطلق عليهم لقب "الرغابة" أى الذين يقومون بكسر القصب وتنظيفه دون أجر يدفعه صاحب المزرعة، وإنما أجرهم هذه "القالوحة" التى يطعمون بها بهائمهم ومواشيهم فهى مغذية ويبلغ عدد الشيلة صغيرة الحجم أكثر من خمسة عشر جنيها، وخلال ساعات العمل لابد وأن يقوم صاحب المحصول بالواجب نحو العاملين فى الكسر، ويتمثل ذلك فى أباريق الشاى الزارد يوزع عليهم ويسقيه للكسرى اقصب بعد ثلاث ساعات من العمل وتتناثر أثناء ساعات العمل النكات و"التريقة" من العاملين على بعضهم البعض فهذا يتحدث إلى ذلك فى نبرة ساخرة لأنه لا ينظف العيدان التنظيف المطلوب أو أن هذا يسخر من ذاك لأنه لم يستطع رفع "شيلة" القصب ليضعها على سفام الجمل ويا ويل من لا ينهض جمله بعد تحميله إذ يتندرون على جمله حينئذ بأنه مهضوم وأنه "انضحك" عليه يوم أن اشتراه. وهذا هو ما يدور خلال ساعات العمل بالرغم من المعاناة والشدة التى يلاقيها كل من يعمل فى توريد محصول القصب بشركات السكر لأنه محصول لم يعد مجزياً لزارعيه، إن مزارعى القصب فى صعيد مصر يشكون مر الشكوى من تدنى سعره صحيح وصل سعر الطن إلى 004 جنيه، ولكن العمالة ثلثهم الكثير حتى أصبح المزارع لا يجنى إلا أقل القليل، أذكر وأنا يعد طفل صغير أن العامل كان يتقاضى يومية قدرها ثلاثون مليما فى اليوم، وكان يعمل من السابعة صباحا حتى الثالثة بعد الظهر أما الآن فيتقاضى خمسين جنيها يومية، ويعمل من السابعة صباحا، وعندما يستمع إلى آذان الظهر يلقى العيدان التى ينظفها أو يكسرها ويغادر الحقل فوراً صحيح كان سعر طن القصب فى تلك الأيام الحالية لا يزيد على مائة وثلاثين قرشاً، ومع ذلك فقد كان سعرا مربحا حيث كانت الحياة هينة لينة ورخيصة، ويجأر زراع القصب من شركات السكر خاصة ما يغلق بوسيلة نقل المحصول من الغيطان إلى المصانع فقد أصبح "الدوكوفيل" وهو شريط السكة الحديد، وكذلك القطارات متهالكة كما أن الشركة لا تصرف للمزارع المقابل المادى إلا بعد التوريد بشهر ونصف. زراعة قصب السكر وهى زراعة استراتيجية تحتاج إلى الرعاية والعناية من الدولة.