تعيش محافظات الصعيد "الجوانى" سوهاجوقنا وأسوان موسم حصاد محصول قصب السكر الذى بدأ مع بداية العام الحالى وفى مزارع القصب الشاسعة والتى تملأ جنبات ضفتى الوادى تحتشد الآلاف من المزارعين والعاملين الزراعيين مع نسمات الصباح الباكر فى هذه المزارع ويأخذون فى جنبى المحصول الذى يطلقون عليه "كسر القصب" وهم لا يقتلعون أعواد القصب من جذورها وإنما يقطعونها من فوق الجذور التى تنبت محصول الموسم القادم، فالقصب يعيش فى الأرض بضع سنوات قد تصل الى خمس وبعدها يقتلع المزارعون الجذور وينظفون الأرض منها ويحرثونها مثنى وثلاث ويمهدونها بعناية تامة لإحتضان الزرع البكر لهذا المحصول الذى هو تقريبا المحصول الرئيسى الذى تقوم عليه اقتصاديات ثلث المحافظات، فالناس منها دأبوا على زراعة القصب وجزء يسير من الأرض الزراعية يترك للمحاصيل التقليدية مثل القمح والذرة والفول والبرسيم وقصب السكر له جذوره العميقة فى أراضى الصعيد الجوانى خاصة فى منطقة نجع حمادى التى انشئ مصنع السكر بها قبل مائة عام وكذلك مصانع كوم امبو وإدفو وأرمنت فى الجنوب من محافظتى قنا وأسوان، وفى ستينيات القرن الماضى أنشأت الدولة مصنعا للسكر فى قوص وآخر فى دشنا وثالثا فى جرجا وكان هناك مصنع فى شمال الصعيد أنشئ قبل ذلك فى مدينة أبوقرقاص ومعروف أن معامل تكرير السكر تقع فى مدينة الحوامدية بمحافظة الجيزة، وقصب السكر له فى ذهنى ذكريات عشتها وأنا بعد طفل فى قريتى أفرح عندما يبدأ كسر المحصول حيث كنا نتجه الى الغيطان ومعنا الكثيرون من الأطفال نسهم فى عملية الكسر ونردد مع الرجال الذين يقومون بكسر وتقشير القصب الأغنيات التى يترنمون بها وهم يقومون بعملهم والعمل مجهد وشاق فالعامل يقطع العود ثم يقوم بتنظيفه من الأوراق الملتفة حول عقلاته ثم يقطع القالوحة وهى الجزء الأخضر فى أعلى العود والتى تقدم طعاما للماشية ثم ينقل العامل ما كسره من الاعواد الى مكان قريب حيث تأتى الجمال لتحمل الميدان وتنقلها بعد ذلك الى شاطئ النهر ليقوم عمال آخرون بحملها ووضعها فى المراكب الشراعية التى تتجه بعد ذلك الى المصنع، كان ذلك فى زمن بعيدة ولكن شركة السكر خفقت العبء عن كاهل المزارعين فمدت بعد ذلك خطوط سكك حديد تنقل المحصول على مقربه من الغيطان، كما جاءت وسائل نقل أخرى هى المقطورات لتنقل المحصول ايضا مما خفف عناءا كبيرا كان يسبب عنه وشدة للمزارعين والعمال ومعروف أن محصول قصب السكر محصول سنوى لأنه يبقى فى الأرض على مدى العام ولذلك فإن المزارع يحس بأنه مغبون فى سعر محصوله وسنة بعد أخرى ارتفع طن القصب الى 360 جنيها وان كان المزارعون يتطلعون الى سعر لا يقل عن 400 جنيه للطن ومع ذلك ورغم كل التعب فى حصد المحصول إلا أن الأمر يشكل عيدا للمزارعين وعمال الزراعة يمتد الى نحو خمسة أشهر فالمصانع تبدأ فى استقبال المحصول يناير من كل عام وتتوقف فى آواخر مايو، إن موسم جنى القصب يشكل الآن فى صعيد مصر حياة وحركة وصخبا ودخولا ماديه لملايين المواطنين. رابط دائم :