لم أستمع من قبل للرئيس السيسي وهو يتحدث عن الدين الإسلامي الوسطي بهذا العمق, وعن دور أزهرنا الشريف في تصحيح الفكر الإسلامي بهذا الوضوح, وأعتقد أن القائد الرئيس منح الأزهر فرصة لنفض الغبار عن العقول المتطرفة, وأن يعود له دوره المفقود في وقف زحف فكر الخوارج والتكفيريين, إلا أن النتائج لم ترض الشعب الذي اعلن الرئيس مرارا أنه يأتمر بأمره وينفذ توجيهاته. ولذلك كان حديث الرئيس للأزهريين وشيوخهم واضحا ومباشرا وجيدا للغاية خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف, بل كان به كثير من العتاب المهذب لعلماء الدين علي ضرورة تجديد الخطابة, ونشر الوعي الديني الصحيح لأن الرئيس حمل العلماء حملا ثقيلا بقوله( سأسألكم أمام الله) في نوع من إلقاء الأمانة علي علمائنا الأجلاء في نشر الوعي السليم بين الناس وتطهير الأزهر من الإخوان, والتكفيريين الذين جعلوا صورة الأزهر ضبابية أمام عموم المسلمين في العالم كله, ومن أهم النقاط الإيجابية في خطاب الرئيس أيضا لفتته إلي الإخوة الأقباط الموجودين في الاحتفال لضرورة تأكيد الوحدة الوطنية موضحا أن السبب الرئيسي في الفكر غير المسئول من بعض الدعاة انغلاق هؤلاء الدعاة علي أنفسهم دون الانفتاح علي الجميع, الرئيس السيسي أراد ان يلفت نظر القائمين علي الدعوة أن هناك خللا جسيما, فألقي الكرة في ملعب الأزهر من أجل تطوير الفكر والخطاب الديني ومواجهة الأفكار المتطرفة مواجهة علمية حاسمة بعد ما شهدت الساحة الدينية اكبر عملية انتحال صفة في التاريخ المصري الحديث, واستغل البعض من تجار الدين ساحات المساجد بدلا من أنها ساحة للإيمان وتبادل العلم إلي ساحة للمعارك السياسية والتفريق بين المواطنين, وهدم المجتمع وجعله ساحة للخلاف, والصراع وتعطيل الإنتاج والعلم الحديث, وهنا لابد من توحيد الخطاب الديني, وتوحيد صفوف المصريين خلف أزهرهم ذي التاريخ العريق والفكر المستنير مره أخري ليلفظ المجتمع أصحاب الفكر المتطرف الذين عملوا علي إبراز بعض الآيات التي تتحدث عن القتال, متناسين المناسبات التي أنزلت فيها تلك الآيات, وهنا لابد من توضيح التفسير الحقيقي لتلك الآيات وتوضيح أسباب نزولها والمواقف التي تستخدم فيها وهو الدور الحقيقي للازهر الشرف منذ نشأته ولكن كل ماطرح في هذا الاطار مازال حبرا علي ورق ولم يخرج بافعال علي أرض الواقع لمواجهة الفكر المتطرف.., الرئيس السيسي بما أنه يحمل هموم الوطن بكل ما تحمل الكلمة من معان يري أن المؤسسات الدينية في مصر تحتاج إلي إعادة تأهيل ومنها الأزهر الشريف, لمحاربة الأفكار المتطرفة, والهدامة التي تحولت إلي قنابل موقوتة ودماء برئية في كل مكان وذلك لن يتحقق الا إذا نفضنا الغبار حقيقة من علي رؤسائنا وانتقل العلماء بالازهر إلي الشعب المصري في كل مكان, وتعريفهم بصحيح الدين لحل المشاكل, وليشعروا أن هناك دولة ومؤسسه ترعي الوسطية و تقدم الحلول لمحاربة الإرهاب.., أعرف أن للأزهر منهجا وسطيا معتدلا في الاعتقاد, معروف للكافة, هو(مذهب الأشاعرة), وهو مذهب أهل السنة والجماعة الوسطي, لكن المشكلة الرئيسية التي تواجه الأزهر اليوم أن تلك المناهج, وتلك الكتب التي يعتمدها الأزهر أصبحت مهمشة تماما, لأسباب منها الغزو الفكري الإخواني للأزهر, وهذا ناتج عن أنه لا توجد بالأزهر قوانين تجرم الانتماء الفكري لهذه المدارس, حتي أصبح معظم أساتذة الجامعة ينتمي إما لمدرسة الإخوان, أو لمدرسة السلفيين وهم علي مستوي واحد من الناحية العقيدية, والتي تختلف جوهريا مع منهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد( المنهج الأشعري), فكل أستاذ بالازهر في مادته يدرس منهجه الخاص, ولايكتفي بهذا, بل يهاجم منهج الأزهر في الاعتقاد ويخطئه, خاصة في كليات أصول الدين والدعوة, وكلية الدعوة الإسلامية, وكليةالدراسات الإسلامية, وغيرها من الكليات الشرعية, بتجاهل منهج الأزهر المقرر المطبوع تماما, وإقرار كتب أخري علي الطلاب بما يتوافق مع منهجهم, فيخرج لنا التطرف والإرهاب والتكفير وفي نفس الوقت يحملون العمامة الأزهرية العريقة, ولابد أن نجيب علي السؤال بعد أن استمعنا للحبيب السيسي, وهو يوجه عتابا رقيقا راقيا للعلماء.., إلي ماذا سندعو غير المسلمين؟ إلي المنهج الأزهري المعتدل أم إلي منهج الإخوان والسلف المتطرف؟, وإن لم يقف شيخ الأزهر أو رئيس الجامعة أو أي مسؤول في الأزهر لذلك الغزو الفكري فمن سيقف؟ وكيف سيعود الأزهر إلي تخريج أمثال محمد عبده, والمراغي, ومحمود شلتوت, وعبدالحليم محمود,, ومصطفي عبدالرازق, وغيرهم من الأعلام؟.